كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 2)

يظهر أن سحنون بن عثمان، رغم أنه مغمور عندنا اليوم، لم يكن مغمورا عند علماء وقته، بل كاد عمله في الفلك يكون مصدرا أساسيا لهم لا يشبهه إلا عودتهم إلى شرح الأخضري نفسه على السلم المرونق.
ولسحنون بن عثمان تأليف آخر سماه (سهام الربط في المخمس خالي الوسط). وقد اطلعنا منه على نسخة فإذا فيه أن بعض الإخوان طلب منه تحرير مقالة عن كيفية استعمال المخمس خالي القلب وتصحيح أوتاره فأجابهم إلى ذلك، وقسمه إلى فصول، فجعل قسما في موافقة أسماء الله إلى حاجة الإنسان ومناسبة الوقت لها، مثل طلب الرزق الذي يناسبه الرزاق، الفتاح، الغني، الكافي، الخ ... وإذا كان الموضوع العطف فإن ما يناسبه هو العطوف الرؤوف، الرحيم. وإذا كان عن المطر فإن ما يناسبه هو قوله تعالى: {واستغفروا ربكم إنه كان غفارا} الآية. وإن كان طلب صحو فقوله تعالى: {يا أرض ابلعي ماءك} الآية. وتأتي الفصول بعد ذلك تباعا: في طرح ما تدخل به في الوفق، في كيفية الدخول في الطروحات، في تعمير البيت الوسط، في البخور بعد الصلاة، فإن كان للخير فالتبخر بالجاوي والعود، وإن كان للشر فبالكبريت والحنتيت والثوم، بالإضافة إلى فصل في موافقة الأعداد، وقد ضمنه أبياتا لامية في طريق الوصول إلى سر الروح بالتطهر والتزهد والعمل بالعلم وتجنب السفهاء، بالإضافة إلى تقييد عن جلب الأفلاك الآبقة بالبخور ونحوه (¬1).
ولكن ما كتبه سحنون بن عثمان هنا لا يخلو من خرافة وسحر رغم أنه حاول أن يصل فيه إلى نتيجة علمية. فقد ولع أشباه العلماء باستخدام الروحانيات واستعمال الحروف والأعداد حتى اختلط عندهم السحر بالعلم والشعوذة بالحقيقة، وتغلب، مع الجهل، روح الشعوذة على روح العلم. وساد ذلك الخاصة والعامة إلا ما ندر.
¬__________
(¬1) المكتبة الوطنية - الجزائر، 1535 وفيه ست أوراق، وانتهى منه المؤلف في 14 صفر سنة 1018. ذكر بروكلمان 2/ 715 أن منه نسخة أخرى بليدن 1235.

الصفحة 408