كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

اسْتِثْنَاءٌ - لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ رَهْنٍ مُقَابِلَ ثَمَنِ مَبِيعٍ بَقِيَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُشْتَرِي بَعْدُ وَلِلْمُشْتَرِي حَقٌّ فِي اسْتِرْدَادِ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
مَثَلًا إذَا بَاعَ شَخْصٌ لِآخَرَ حِصَانًا مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُشْتَرِي رَهَنَ مُقَابِلَ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ سَاعَةً بِقِيمَةِ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تَلِفَتْ السَّاعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ مُتَسَاوِيَةً كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ تُضْمَنُ بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ (الْخَانِيَّةُ) .

الْحُكْمُ الثَّانِي: إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَابِلُ الرَّهْنِ مَالًا مَضْمُونًا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فَيَكُونُ إمَّا بَاطِلًا وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ مَجَّانًا لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُفِيدُ حُكْمًا أَلْبَتَّةَ (أَوْ فَاسِدًا) وَتَفْصِيلُهُ يَأْتِي قَرِيبًا وَالْفِقْرَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الْمَادَّةِ (لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ لِأَجْلِ مَالٍ هُوَ أَمَانَةٌ) تَتَفَرَّعُ عَنْ الْحُكْمِ الثَّانِي.

وَلَا يَصِحُّ أَخْذَ الرَّهْنِ لِلْأَشْيَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالِ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْعَيْبِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَبِيعِ وَالنَّقْدِ الْمُزَيَّفِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ الدَّيْنِ الَّذِي قَبَضَهُ الدَّائِنُ وَالْكَفَالَةِ بِالدَّرْكِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ أَيْضًا لِإِنْسَانٍ حُرٍّ وَثَمَنِ الْجِيفَةِ وَالْقِمَارِ وَالرِّشْوَةِ فَإِذَا رُهِنَ مَالٌ مُقَابِلَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ الرَّهْنُ غَيْرَ صَحِيحٍ وَبَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (210) يَكُونُ الْبَيْعُ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالرَّهْنُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ أَيْضًا بَاطِلًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَفِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
كَمَا أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ وَأُعْطِيَ رَهْنٌ مُقَابِلَ أُجْرَتِهَا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ وَإِذَا تَلِفَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ (الْفَيْضِيَّةُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) .

وَلِنُفَصِّلَ الْآنَ أَحْكَامَهَا.
الرَّهْنُ مُقَابِلُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذَا رَهَنَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مَالًا عِنْدَ الْمَكْفُولِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَفَلَ شَخْصٌ نَفْسَ آخَرَ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ لِزَيْدٍ لِحَدِّ سَنَةٍ مِنْ الزَّمَانِ يَكُونُ ضَامِنًا دَيْنَهُ لِزَيْدٍ ثُمَّ أُعْطِيَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ رَهْنًا مُقَابِلَ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ دَيْنٌ.
وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّكَ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَمْرٌو رَهْنًا لَمْ يَجُزْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) الرَّهْنُ مُقَابِلَ الدَّرْكِ - ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (701) أَنَّ الرَّهْنَ مُقَابِلَ الدَّرْكِ بَاطِلٌ.

الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالدَّرْكِ وَالرَّهْنِ بِالدَّرْكِ: قَدْ مَرَّ فِي الْمَادَّةِ (638) أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدَّرْكِ صَحِيحَةٌ وَحَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ بِالدَّرْكِ غَيْرُ صَحِيحٍ صَارَ مِنْ الْمُقْتَضَى إظْهَارُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. فَالْفَرْقُ هُوَ هَذَا: جَعْلُ الرَّهْنِ مَشْرُوعًا لِأَجْلِ الِاسْتِيفَاءِ.
وَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ قِسْمًا مِنْ ضَمَانِ الدَّرْكِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ. مَعَ أَنَّ الضَّمَانَ الْمَذْكُورَ لِكَوْنِهِ مُضَافًا لِوُجُوبِ الدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ. وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَتْ عَنْ الْتِزَامِ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ الْإِضَافَةُ فِيهَا جَائِزَةٌ وَلِهَذَا إنَّ الْكَفَالَةَ لِمَا سَيَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ جَائِزَةٌ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ مُقَابِلَ الدَّيْنِ الَّذِي سَيَثْبُتُ عِنْدَ فُلَانٍ (الْكِفَايَةُ وَالزَّيْلَعِيُّ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ لِأَجْلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي

الصفحة 100