كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

وَلَكِنْ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ فَقَطْ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْمَحَلِّ الْمَزْبُورِ وَشِبْلِيٌّ) .
وَلِهَذَا السَّبَبِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (721) إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى رَجُلَيْنِ بِأَنَّهُ ارْتَهَنَ وَقَبَضَ مِنْهُمَا مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِمَا الْمُشْتَرَكَةِ وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِهِمَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَأَثْبَتَ الْقَبْضَ وَالرَّهْنَ وَنَكَلَ الثَّانِي عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي كُلِّفَ بِحَلِفِهَا فَيُحْكَمُ بِالرَّهْنِيَّةِ عَلَى كِلَا الِاثْنَيْنِ. وَلَا يَبْقَى حُكْمٌ لِلرَّهْنِ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ مُخْتَلِفٌ وَأَخَذَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْآخَرُ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ. وَلَكِنْ إذَا حَلَفَ الْآخَرُ الْيَمِينَ فَكَمَا أَنَّ الرَّهْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِحَقِّهِ لَا يُحْكَمُ بِالرَّهْنِيَّةِ بِحَقِّ الْأَوَّلِ الَّذِي ثَبَتَ رَهْنُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ رَدُّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ مَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِالرَّهْنِيَّةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ حُكْمٌ بِرَهْنِيَّةِ الْمَشَاعِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ وَالْخَانِيَّةُ) .
وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ الرَّاهِنُ مَالًا لِمُرْتَهِنَيْنِ عَلَى دَيْنٍ مُصَادِقٍ عَلَيْهِ مِنْ الرَّاهِنِ وَمِنْ الْمُرْتَهِنَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ: إنَّهُ لَيْسَ لَنَا فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ دَيْنٌ، وَالْآخَرُ قَالَ: بَلْ لَنَا عِنْدَهُ دَيْنٌ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَصَحِيحٌ فِي حِصَّةِ الْمُنْكِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (721) إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ أَنَّهُمَا ارْتَهَنَا وَقَبَضَا مَعًا هَذَا الْمَالَ مُقَابِلَ مِائَةِ قِرْشٍ وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الرَّاهِنِ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَثْبَتَ مُدَّعَاهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي الِارْتِهَانَ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحْكَمُ بِالرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى وَهَذَا الْإِثْبَاتِ وَيُرَدُّ الْمَرْهُونُ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِحَقِّ الْوَاحِدِ فَقَطْ وَلَا تُسْمَعُ بِحَقِّ رَفِيقِهِ وَحَيْثُ إنَّ الشُّيُوعَ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ الرَّهْنُ صَحِيحًا (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَكُونُ الْمَرْهُونُ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُدَّعِي مُقَابِلَ مَا يُصِيبُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ. وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا بِإِنْكَارِ الْآخَرِينَ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ (الْخَانِيَّةُ) وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ يُحْكَمُ بِالرَّهْنِيَّةِ لِلْمُدَّعِي الْمُرْتَهِنِ وَيَدْفَعُ الرَّهْنَ لِيَدِهِ وَيَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّعِيَ أَثْبَتَ مُدَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهَذَا الثُّبُوتُ مُعْتَبَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى رَفِيقِهِ.
وَأَمَّا إنْكَارُ رَفِيقِهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي شَأْنِ رَفِيقِهِ وَحَيْثُ إنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي ثَبَتَ عَلَى كُلِّ الرَّهْنِ فَلَا يَحْصُلُ الشُّيُوعُ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) . وَمَتَى أَوْفَى الرَّاهِنُ حِصَّتَهُ الْمُرْتَهِنَ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّيْنِ يَسْتَرِدُّ الرَّهْنَ. وَقَبْلَ التَّأْدِيَةِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ الْمُدَّعَى مِنْ الدَّيْنِ.
تَتِمَّةٌ: إنَّ بُطْلَانَ أَوْ فَسَادَ الرَّهْنِ بِالشُّيُوعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ، وَالْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ وَفَرِيقٌ آخَرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِفَسَادِهِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ (شِبْلِيٌّ) .
اسْتِثْنَاءٌ: لَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ بِالشُّيُوعِ الثَّابِتِ لِضَرُورَةٍ. مَثَلًا إذَا أَعْطَى الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ دِينَارَيْنِ قَائِلًا: خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ بِضَاعَةً فَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الِاثْنَيْنِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ إنَّ أَحَدَ الدِّينَارَيْنِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا فَأَصْبَحَتْ الرَّهْنِيَّةُ شَائِعَةً بِدَاعِي الضَّرُورَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ

الصفحة 105