كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
(الْكِفَايَةُ قُبَيْلَ الْجِنَايَاتِ) .
قَوْلُهُ (مُقَابِلَ ذَلِكَ الرَّهْنِ) قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ هِيَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ الْآتِي ذِكْرُهُ وَهِيَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ هُنَا مَالًا فَزِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ بِغَيْرِ مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الرَّهْنِ بِالِاتِّفَاقِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ بَعْدَ الِاسْتِقْرَاضِ أَيْ أَخَذِ الْإِنْسَانِ قَرْضًا ثَانِيَ مَرَّةٍ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْقَرْضَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا وَرَدَ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ بَعْدَ أَنْ رَهَنَ السَّاعَةَ أَخَذَ خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ فَلِتَكُنْ رَهْنًا مُقَابِلَ كِلَا الدَّيْنَيْنِ فَهَذَا الِاسْتِقْرَاضُ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا لَا تَكُونُ السَّاعَةُ رَهْنًا مُقَابِلَ الْخَمْسمِائَةِ قِرْشٍ هَذِهِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَهَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَدَلِيلُ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى جَوَازِهِ: أَنَّ الرَّهْنَ فِي الدَّيْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالدَّيْنَ كَالْمُثَمَّنِ وَبِمُوجِبِ الْمَادَّتَيْنِ 254 و 255 كَمَا أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ يَجُوزُ أَيْضًا فِي الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ. وَقَاسَ الْإِمَامُ الْمُشَارَ إلَيْهِ زِيَادَةَ الدَّيْنِ عَلَى زِيَادَةِ الرَّهْنِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ وَأَبُو السُّعُودِ) .
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَزِيَادَةُ الدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزَةٍ يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُرْهَنَ مَالٌ مُقَابِلَ دَيْنٍ وَيَجْرِي تَسْلِيمُهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ الرَّهْنِ وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ السَّابِقُ مُقَابِلًا لِلدَّيْنِ الَّذِي زِيدَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ وَتُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَرْهُونِ رَهْنًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَالْبَعْضُ مُقَابِلَ الدَّيْنِ الثَّانِي. وَهَذَا لَيْسَ مَشْرُوعًا. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ فَتَسْتَلْزِمُ الشُّيُوعَ فِي الدَّيْنِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ. وَلِذَلِكَ إذَا كَانَ شَخْصٌ مَدِينًا لِآخَرَ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَأَعْطَى رَهْنًا مُقَابِلَ خَمْسَمِائَةٍ مِنْهُ جَازَ ذَلِكَ وَفِي هَذَا شُيُوعٌ فِي الدَّيْنِ (الْهِنْدِيَّةُ وَأَبُو السُّعُودِ) .
إذَا هَلَكَتْ السَّاعَةُ الْمَرْهُونَةُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ يَسْقُطُ كِلَا الدَّيْنَيْنِ بِهَلَاكِهَا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
وَإِذَا أَدَّى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ الْبَالِغَ أَلْفَ قِرْشٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ الثَّانِيَ أَيْ الْخَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ كَامِلَةً.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ حَيْثُ إنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ مَرْهُونَةً مُقَابِلَ الْخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ الَّتِي زِيدَتْ مُؤَخَّرًا فَمَتَى أَوْفَى الرَّاهِنُ الْأَلْفَ قِرْشٍ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ السَّاعَةَ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ إمْسَاكُهَا مُقَابِلَ الْخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ الْبَاقِيَةِ (الْهِنْدِيَّةُ وَالْعِنَايَةُ) .
تَعْمِيمُ الدَّيْنِ - يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ الدَّيْنِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ زِيَادَةِ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي زِيدَ مُؤَخَّرًا مِنْ نَوْعِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ سَابِقًا. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ قَرْضًا فَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ قَرْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلَ إجَارَةٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُمَا أَيْضًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ الرَّهْنِ) .

الصفحة 118