كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

إجْمَاعُ الْأُمَّةِ: حَيْثُ إنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَاقِعٌ عَلَى مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ فَفِي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ (الْعِنَايَةُ) .
الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ - الرَّهْنُ مَقْبُوضٌ لِأَجْلِ الدَّيْنِ. فَعِنْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ مَضْمُونًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَقَعُ التَّقَاضِي بَيْنَ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ.
لَمَّا كَانَ قَبْضُ الدَّيْنِ مَضْمُونًا فَالرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ أَيْضًا لِأَجْلِ الدَّيْنِ يَكُونُ مُلْحَقًا بِالدَّيْنِ وَلِذَلِكَ يَكُونُ هُوَ أَيْضًا مَضْمُونًا. كَمَا جُعِلَ الْمَالُ الَّذِي قُبِضَ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونًا وَكَالْمَالِ الَّذِي قُبِضَ بَعْدَ الْبَيْعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مَالِكِ الْعَيْنِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ

أَنْوَاعُ الضَّمَانِ - أَنْوَاعُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ - ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْغَصْبِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَضْمُونُ بِقِيمَتِهِ وَبِبَدَلِهِ وَتَفْصِيلُهُ يَرِدُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
الثَّانِي - ضَمَانُ الْمَبِيعِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَضْمُونُ بِالثَّمَنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلًا وَهَذَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
الثَّالِثُ - ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ الرَّهْنِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَضْمُونُ بِقِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَبِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ (تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ) وَهَا نَحْنُ نُبَاشِرُ بِتَفْصِيلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: فِي الرَّهْنِ اعْتِبَارَانِ:
الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ: عَيْنُ الرَّهْنِ. عَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَالْوَدِيعَةِ. وَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَنْ هَذَا أَنْوَاعٌ هِيَ كَمَا يَأْتِي أَوَّلًا: كُلُّ فِعْلٍ إذَا أَوْقَعَهُ - الْمُسْتَوْدَعُ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا. مَثَلًا إذَا حَفِظَ الْمُرْتَهِنُ الْخَاتَمَ الْمَرْهُونَ فِي جَيْبِهِ وَهَلَكَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُحَافَظَةٍ وَخُصُوصًا الْمُرْتَهِنُ مَأْمُورٌ بِالْمُحَافَظَةِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ قَمِيصًا وَعَلَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى كَتِفِهِ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حِفْظٌ وَلَيْسَ اسْتِعْمَالًا (الْخَانِيَّةُ) . وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (722) .
ثَانِيًا: نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَائِدَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا تَبَيَّنَ فِي الْمَادَّةِ (724) . كَمَا أَنَّ نَفَقَةَ الْوَدِيعَةِ عَائِدَةٌ لِلْمُودِعِ.
ثَالِثًا: إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّاهِنِ. حَتَّى إنَّهُ مَتَى هَلَكَ الْحَيَوَانُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَصَارِيفُ رَمْيِهِ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا تَعُودُ عَلَى الرَّاهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
رَابِعًا: لَا يَقُومُ قَبْضُ الرَّهْنِ مَقَامَ قَبْضِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حَيْثُ إنَّهُ أَمَانَةٌ فَالْقَبْضُ فِيهِ أَمَانَةٌ أَيْضًا وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الضَّمَانِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (262) .
خَامِسًا: كُلُّ فِعْلٍ بِتَقْدِيرِ إيقَاعِهِ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ - فِي الْوَدِيعَةِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ. إذَا أَوْقَعَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ يَلْزَمُهُ أَيْضًا ضَمَانُ الْغَصْبِ. مَثَلًا كَمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَارَةُ الْوَدِيعَةِ مَعَ إيجَارِهَا وَتَرْهِينِهَا لِلْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ أَيْضًا إعَارَةُ الرَّهْنِ وَإِيجَارُهُ وَتَرْهِينُهُ لِلْغَيْرِ. حَتَّى إنَّهُ إذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ آخَرَ - أَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ لِكَوْنِهِ قَدْ تَعَدَّى فِي حَالِ هَلَاكِهِ يَكُونُ ضَامِنًا بِضَمَانِ الْغَصْبِ (التَّنْقِيحُ) .

الصفحة 170