كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ نَظِيرَةٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَسْقُطُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ. وَالْمَسْأَلَةُ هِيَ: إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى شَخْصٍ لِأَجْلِ قَبْضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةَ (282) .

مَعْنَى كَوْنِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ مُوَقَّتَةً: إنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِهِ مُوَقَّتَةٌ كَمَا ذُكِرَ أَثْنَاءَ شَرْحِ الْمَادَّةِ. كَوْنُ الدَّيْنِ يَعُودُ إلَى الْمُحِيلِ بِإِنْهَاءِ حُكْمِ الْحَوَالَةِ أَحْيَانًا وَيَنْتَهِي حُكْمُ الْحَوَالَةِ بِوَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: التَّوَى. تَنْتَهِي الْحَوَالَةُ فِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ بِتَوَى مَطْلُوبِ الْمُحَالِ لَهُ عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُحَالِ لَهُ الْمَطْلُوبَ الْمَذْكُورَ. وَيَعُودُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحِيلِ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إذَا هَلَكَ دَيْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحِيلِ وَيَلْزَمُ الْمُحِيلَ إعْطَاؤُهُ. وَفِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ أَيْضًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحِيلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. رَاجِعْ الْمَوَادَّ (693، 694، 695) . وَأَمَّا سَبَبُ عَوْدَةِ الدَّيْنِ إلَى الْمُحِيلِ فِي التَّوَى فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مَشْرُوطَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّ الْمُحَالِ لَهُ كَمَا أَنَّ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْبِ شَرْطٌ أَيْضًا. فَلَمَّا انْعَدَمَتْ السَّلَامَةُ زَالَتْ الْبَرَاءَةُ أَيْضًا وَلَزِمَ رُجُوعُ الْمُحَالِ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " لَيْسَ لِلْمُحَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ عِنْدَ التَّوَى مَهْمَا كَانَ الْوَجْهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ "
؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُحَالِ لَهُ عِنْدَ الْمُحِيلِ قَدْ سَقَطَ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ حَتَّى إنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّوَى عَلَى الْمُحِيلِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ (مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ) (الْبَاجُورِيُّ) .

وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْصُلُ التَّوَى أَيْ هَلَاكُ الدَّيْنِ بِوَجْهَيْنِ لَا غَيْرُ:
الْأَوَّلُ: عِنْدَ إنْكَارِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَعَدَمِ اقْتِدَارِ كُلٍّ مِنْ الْمُحَالِ لَهُ وَالْمُحِيلِ عَلَى إثْبَاتِهَا بِحَلِفِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدَّيْنَ حَوَالَةً عَلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْحَوَالَةِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْحَوَالَةِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (76) . (الدُّرَرُ) . وَأَمَّا إذَا أَثْبَتَ الْمُحَالُ لَهُ أَوْ الْمُحِيلُ الْحَوَالَةَ بِالْبَيِّنَةِ فَيَكْفِي وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّوَى.
الثَّانِي: بِوَفَاةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَعْنِي بِوَفَاتِهِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ مَالٍ لَهُ يَكْفِي لِوَفَاءِ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ كَفِيلٍ لِجَمِيعِ ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قَدْ خَرِبَتْ. وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّوَى فِي الْحَقِيقَةِ (الْبَحْرُ) . وَأَمَّا إنْ كَانَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ الْمُتَوَفَّى كَفِيلٌ فَسَوَاءٌ أَكَانَ الْكَفِيلُ الْمَرْقُومُ كَفِيلًا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ بِلَا أَمْرِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْكَفَالَةُ مُعَجَّلَةً أَوْ مُؤَجَّلَةً أَوْ أُجِّلَتْ بَعْدَ الْإِحَالَةِ فَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ وَلَا

الصفحة 38