كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

يَعُودُ إلَى الْمُحِيلِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (643) . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ كَفِيلٌ وَلَكِنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ وَرَهَنَ بِهِ رَهْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ. وَلَوْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالثَّمَنُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ. وَأَمَّا إذَا غَابَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنْ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ مَحَلُّ إقَامَتِهِ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحِيلِ بِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ بِسَبَبِ غِيَابِهِ أَوْ بِمُجَرَّدِ عَجْزِهِ عَنْ إيفَاءِ الدَّيْنِ حَالَ حَيَاتِهِ مَا لَمْ تَثْبُتْ وَفَاتُهُ مُفْلِسًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
وَيَحْصُلُ التَّوَى عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - بِوَجْهٍ ثَالِثٍ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ آنِفًا. كَمَا لَوْ ثَبَتَ عَدَمُ اقْتِدَارِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ يَتَحَقَّقُ التَّوَى 2 أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحُكْمِ مِنْ جَانِبِ الْحَاكِمِ بِإِفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِ الْمُحَالِ لَهُ مِنْ مُلَازَمَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ إنَّ الْمُحَالَ لَهُ بَقِيَ عَاجِزًا عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ يَتَحَقَّقُ التَّوَى وَهَذَا الْعَجْزُ أَيْضًا هُوَ كَجُحُودِ الْحَوَالَةِ وَالْعَجْزِ بِوَفَاةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا (الْبَحْرُ) . وَلَكِنْ إذَا صَارَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَثْنَاءَ الْحَوَالَةِ وَقَبِلَ الْمُحَالُ لَهُ الْحَوَالَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بَعْدَهُ؟ الْجَوَابُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ نَظَرًا لِلسَّبَبِ الَّذِي هُوَ بِحَقِّ عَوْدَةِ الدَّيْنِ إلَى الْمُحِيلِ بِالتَّوَى. وَيَكُونُ الْمُحَالُ لَهُ قَصَّرَ بِتَرْكِ التَّدْقِيقِ وَالتَّحَرِّي فِي هَذَا
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
(الْبَاجُورِيُّ) . وَلَكِنْ قَدْ رَجَحَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ بِخُصُوصِ التَّوَى فِي مُتُونِ وَشُرُوحِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْمَارِّ ذِكْرُهُمَا فَقَطْ. حَتَّى إنَّ صَاحِبَ رَدِّ الْمُحْتَارِ قَالَ (إنِّي لَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ) . وَلَكِنْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورُ عَلِيٌّ أَفَنْدِي أَفْتَى بِتَحَقُّقِ التَّوَى بِسَبَبٍ ثَالِثٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مَا وَيَنْقَسِمُ التَّوَى بِصُورَةِ وَفَاةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا إلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: التَّوَى كُلًّا يَحْصُلُ بِعَدَمِ وُجُودِ مَالٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِقْدَارُهَا مِنْ الْمُحَالِ بِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: التَّوَى بَعْضًا، وَهُوَ أَنْ يُتَوَفَّى الْمُحَالُ عَلَيْهِ تَارِكًا مَا يَكْفِي لِأَدَاءِ قِسْمٍ مِنْ الْمُحَالِ بِهِ فَيَأْخُذَ الْمُحَالُ لَهُ الْمَالَ الَّذِي يُصِيبُ حِصَّتَهُ مِنْ تَقْسِيمِ الْغُرَمَاءِ وَيَظْهَرُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي عَلَى الْمُحِيلِ (الْخَيْرِيَّةُ فِي الْحَوَالَةِ) .
كَمَا لَوْ تُوُفِّيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَوُجِدَ كَفِيلٌ لِقِسْمٍ مِنْ الْمُحَالِ بِهِ فَقَطْ فَحَيْثُ إنَّ التَّوَى تَحَقَّقَ فِي الْمِقْدَارِ غَيْرِ الْمَكْفُولِ يَرْجِعُ الْمُحَالُ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . اسْتِثْنَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَرْجِعُ بِالتَّوَى إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ بِالتَّوَى إلَى الْمُحِيلِ فِيهَا.
وَالْمَسْأَلَةُ هِيَ: إذَا أَحَالَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمُحَالَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ ثَانِيَةً فَعِنْدَ تَحَقُّقِ التَّوَى عِنْدَ الشَّخْصِ الْمُحِيلِ أَوَّلًا وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ ثَانِيًا لَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثَانِيًا أَيْ الْمُحِيلِ أَوَّلًا. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إذَا أَحَالَ

الصفحة 39