كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

كَالْأَمْلَاكِ الصِّرْفَةِ وَلَمْ تَفْرُغْ وَفَاءً يَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِلَا شَيْءٍ وَإِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ الطَّلَبِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ، وَلَكِنْ إذَا رُهِنَ مَالٌ وَسَلِمَ صَحَّ يَعْنِي لَا يَحْتَاجُ لِبَيْعٍ بِالْوَفَاءِ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهَا لِلرَّاهِنِ اسْتِرْدَادُ الرَّهْنِ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ.
الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُعْتَبَرُ أَسْمَاءَ جِنْسٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ التَّعَارِيفِ هِيَ مِنْ وَجْهٍ مَدْخَلٌ وَمَنْ وَجْهٍ آخَرَ مَخْرَجٌ، مَثَلًا نَظَرًا لِتَعْرِيفِ (مَالٍ) الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (126) بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَخْرَجٌ، يَعْنِي أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ التَّعْرِيفِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ الْمَالِ كَالْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ وَالْمُسْتَغِلَّات الْوَقْفِيَّةِ وَأَسَاسًا إخْرَاجُهَا لَازِمٌ وَإِنْ تَكُنْ كَلِمَةُ حَقٍّ قَدْ جَاءَتْ فِي الْمَادَّةِ بَعْدَ تَعْبِيرِ جَعْلِ مَالٍ إلَخْ.
فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَقِّ الْحَقُّ الْمَالِيُّ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (710) وَسَيُوَضَّحُ قَرِيبًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُ بِاسْتِيفَاءٍ إلَخْ. يَعْنِي حَقٌّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ. فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ مُقَابِلَ حَقِّ الْقِصَاصِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَأَيْضًا مُقَابِلَ حَقِّ الْيَمِينِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَالْيَمِينَ مَثَلًا لَيْسَا مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ أَيْ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ، وَمَنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا إذَا عَقَدَ شَخْصٌ مُقَاوَلَةً مَعَ خَيَّاطٍ عَلَى أَنْ يَخِيطَ بِنَفْسِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَيَّاطِ رَهْنًا مُقَابِلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً كَيْ يُحَمِّلَهَا شَيْئًا أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا مِنْ الْمُؤَجِّرِ مُقَابِلَ الْحُمُولَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ نَقْلِ الْحُمُولَةِ مِنْ هَذَا الرَّهْنِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا إذَا نَزَلَ شَخْصٌ فِي خَانٍ، وَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إنْ لَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا لَا أَقْبَلُك عِنْدِي، وَتَرَكَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مَالًا يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ مَا تَرَكَهُ الشَّخْصُ هُوَ مُقَابِلُ إجَارِ الْخَانِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَالشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ يَكُونُ مَضْمُونًا لِقَاءَ الْإِجَارِ كَمَا وَرَدَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
وَإِذَا كَانَ مَا تَرَكَهُ هُوَ بِمَقَامِ تَأْمِينَاتٍ مُقَابِلَ سَرِقَةٍ فَالرَّهْنُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُقَابِلٌ مِنْ الْمَالِ، وَلَكِنْ إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِ صَاحِبِ الْخَانِ يَضْمَنُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَالَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الرَّجُلِ بِالْإِكْرَاهِ (بَزَّازِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ) فَيَتَوَجَّهُ هُنَا سُؤَالٌ مُؤَدَّاهُ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا سَبَبُ الضَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالٌ مُقَابِلَ الرَّهْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا حُكْمَ لَهُ وَهُوَ بِمَثَابَةِ الْأَمَانَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ ضَمَانٌ عَلَيْهَا؟ وَالْجَوَابُ هُوَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَعْطَى الرَّجُلُ الْمَالَ إلَى صَاحِبِ الْخَانِ طَلَبَهُ مِنْهُ فَلَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ وَهَلَكَ بِيَدِهِ فَيَضْمَنْهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَمْ يُعْطِهِ هَذَا إيَّاهَا وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (794) . وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَقِّ الْوَارِدِ ذِكْرُهُ فِي التَّعْرِيفِ هُوَ الدَّيْنُ، وَقَدْ مَرَّ تَعْرِيفُ الدَّيْنِ فِي الْمَادَّةِ 158 فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ مُقَابِلَ الشَّيْءِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ بِدَيْنٍ كَالْعَيْنِ مَثَلًا فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مَالًا لِقَاءَ ذَهَبَاتٍ مَعْدُودَةٍ وَرَهَنَ مَالًا لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الذَّهَبَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (243) لَا تَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي هُوَ بِالْفَرْضِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ خَمْسُ لِيرَاتٍ، وَحَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمَبْلَغِ الثَّابِتِ بِالذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَنْعَقِدُ.
وَيَنْقَسِمُ

الصفحة 67