كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 2)

(الْمَادَّةُ 708) :
1 - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَاقِلَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمَا حَتَّى إنَّ رَهْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَارْتِهَانَهُ جَائِزَانِ، يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَاقِلَيْنِ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ (اُنْظُرْ مَادَّتَيْ 957 وَ 966) فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَهْنُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ وَارْتِهَانُهُمَا بَاطِلَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِأَنْفُسِهِمَا أَمْ بِوَكِيلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ لَا عَقْلَ لَهُمَا، وَالْعَقْلُ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا رَهَنَ شَخْصٌ مَالًا عِنْدَ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَضَاعَ ذَلِكَ الْمَالُ لِعَدَمِ اقْتِدَارِ الصَّبِيِّ عَلَى حِفْظِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
أَمَّا الْبُلُوغُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ رَهْنُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَارْتِهَانُهُ صَحِيحَانِ وَنَافِذَانِ إذَا كَانَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَأْذُونُ بِالتِّجَارَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا أَيْضًا بِتَوَابِعِهَا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 967) ، مَثَلًا كَمَا أَنَّ بَيْعَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مَالًا نَافِذٌ فَاسْتِيفَاؤُهُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَيْضًا صَحِيحٌ وَمُعْتَبَرٌ، وَالِارْتِهَانُ هُوَ حُكْمُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَاسْتِيفَاءُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ حُكْمًا جَائِزٌ كَاسْتِيفَائِهِ الْحَقِيقِيِّ فَإِذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَأْذُونُ مَالًا وَأَوْفَى ثَمَنَ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ يَصِحُّ ذَلِكَ، وَالرَّهْنُ حُكْمًا هُوَ إيفَاءُ الدَّيْنِ، وَالْإِيفَاءُ حُكْمًا جَائِزٌ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ، وَرَهْنُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَارْتِهَانُهُ جَائِزَانِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا أَمْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْظَرُ: إذَا كَانَ مَأْذُونًا فَكَمَا أَنَّ رَهْنَهُ وَارْتِهَانَهُ جَائِزَانِ فَهُمَا نَافِذَانِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فَرَهْنُهُ وَارْتِهَانُهُ جَائِزَانِ، وَلَكِنَّهُمَا غَيْرُ نَافِذَيْنِ بَلْ مَوْقُوفَانِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ فَإِنْ أَجَازَهُمَا نَفَذَا وَإِلَّا انْفَسَخَا كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي بَيْعِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ وَشِرَائِهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (967) .
وَسَبَبُ تَوَقُّفِ تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَتَى صَارَ مُمَيِّزًا يُحْتَمَلُ حُصُولُ الضَّرَرِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ نَظَرًا لِنَقْصِ عَقْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ نَافِذًا بِلَا إذْنٍ فَعِنْدَمَا يَقْتَرِنُ بِالْإِذْنِ تَرْجَحُ جِهَةُ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، إذْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْ الْوَصِيَّ يَكُونُ دَقَّقَ مُعَامَلَةَ الرَّهْنِ وَتَيَقَّنَ الْمَنْفَعَةَ مِنْهَا، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (58) (أَبُو السُّعُودِ فِي الْحَجَرِ) . وَلَمَّا كَانَ رَهْنُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلَيْنِ فَيُمْكِنُ وَلِيَّهُمَا أَوْ وَصِيَّهُمَا الِارْتِهَانُ لِأَجْلِهِمَا.
وَيَنْقَسِمُ رَهْنُ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ وَارْتِهَانُهُمَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ لِلصَّغِيرِ وَإِيضَاحُهُ فِي ضَابِطَيْنِ:
الضَّابِطُ الْأَوَّلُ - إنَّ حَقَّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ رَاجِعٌ لِلْأَشْخَاصِ الْمُحَرَّرَةِ فِي الْمَادَّةِ (974) فَالْأَبُ يُمْكِنُهُ رَهْنُ مَالِ الصَّبِيِّ لِأَجْلِ دَيْنِ الصَّبِيِّ، وَعِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الْأَبِ تَعُودُ هَذِهِ الصَّلَاحِيَةُ عَلَى وَجْهِ التَّرْتِيبِ الْمُحَرَّرِ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْوَصِيِّ الْمُخْتَارِ وَالْجَدِّ الصَّحِيحِ لِلْأَبِ بِتَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَلِذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَ نَفْسِهِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مُقَابِلَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ بِذِمَّةِ الصَّغِيرِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ أَحَدِ صَغِيرَيْهِ عِنْدَ الْآخَرِ أَيْضًا، يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ يَقْدِرُ أَنْ يَتَوَلَّى كِلَا طَرَفَيْ عَقْدِ

الصفحة 92