كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 2)
..............................................................................................
ـــــــ
فإن لونه مظلم وباطن ذنبه أبيض وشبهه الشعراء مع الليل بالثوب الأسود الذي جيبه في صدره إذا شق جيبه وبرز الصدر ويقال الكاذب والكذاب لأنه يغر من لا يعرفه وتسميه العرب المحلف كأن حالفا يحلف لطلع الفجر وآخر يحلف أنه لم يطلع قال في الذخيرة وكثير من الفقهاء لا يعرف حقيقة هذا الفجر ويعتقد أنه عام الوجود في سائر الأزمنة وهو خاص ببعض الشتاء وسبب ذلك أنه المجرة فمتى كان الفجر بالبلدة ونحوها طلعت المجرة قبل الفجر وهي بيضاء فيعتقد أنها الفجر فإذا باينت الأفق ظهر من تحتها الظلام ثم يطلع الفجر بعد ذلك وأما في غير الشتاء فتطلع المجرة أول الليل أو نصفه فلا يطلع آخر الليل إلا الفجر الحقيقي انتهى ونازعه غيره في ذلك وقال إنه مستمر في جميع الأزمنة وهو الظاهر ولا شك أن ذلك الوقت من الليل فلا يحرم فيه الأكل ومن صلى الصبح فيه لم تجزه بلا خلاف.
واختلف في آخر وقتها فذكر ابن عرفة في ذلك طريقين.
الأولى للقاضي عبد الوهاب والمازري أنه طلوع الشمس قال ابن العربي ولا يصح غيره الثانية للأكثر وأبي عمر بن عبد البر أنه اختلف فيه على قولين فقيل: للإسفار الأعلى وقيل: طلوع الشمس والأول رواية ابن القاسم والثاني رواية ابن وهب مع قول الأكثر فأتى كلام ابن الحاجب أن الثاني هو المشهور لتصديره به وعطفه الأول عليه بقيل: قال في التوضيح وليس كذلك بل ما صدر به قول ابن حبيب ومذهب المدونة الإسفار قال ابن عطاء الله أي الأعلى وهو قوله: في المختصر قال ابن عبد السلام وهو المشهور نعم يوافق كلام ابن الحاجب ما قاله ابن العربي الصحيح عن مالك أن وقتها الاختياري إلى طلوع الشمس قال وما روي عنه خلافه لا يصح قال ابن عطاء الله بعد كلامه إن كان ثم وجه يلجأ إلى تأويل كلام المدونة والمختصر وإلا فلا يمكن أن يقال في نقل المدونة لا يصح انتهى.
تنبيهات : الأول اختلف في تفسير الإسفار ففسره ابن العربي بما تتبين به الأشياء وتتراءى به الوجوه ونقله عبد الحق عن بعض المتأخرين وفسره الشيخ أبو محمد بما إذا تمت الصلاة بدأ حاجب الشمس وقاله عبد الحق وقال في التنبيهات: الإسفار البيان والكشف وهو يقع أولا على انصداع الفجر وبيانه وعليه يحمل قوله: عليه الصلاة والسلام: "أسفروا بالفجر فأنه أعظم للأجر" (1) أي صلوها عند استبانة الصبح والأول ظهوره لكم والإسفار الثاني هو قوة الحمرة والضياء قبل طلوع الشمس وذلك آخر وقتها الذي ليس بعده إلا ظهور قرص الشمس وقد اختلف هل هو وقت أدائها أو وقت ضرورة انتهى
ـــــــ
1 رواه الترمذي في كتاب الصلاة باب 3. النسائي في كتاب المواقيب باب 27. الدارمي في كتاب الصلاة باب 21. أحمد في مسنده (5/429)