كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 2)

تحضرهما الجماعة
----------------------------
فائدة : قال ابن العربي حكى المؤرخون عن عثمان كذبة عظيمة أنه صعد المنبر فارتج عليه فقال كلاما من جملته وأنتم أحوج إلى إمام فعال منكم إلى إمام قوال أقول يالله وللعقول, إن قلنا اليوم لا يرتج عليه فكيف عثمان لا سيما وأقوى أسباب الحصر في الخطبة أنه لا يدري ما يرضي السامعين ويميل قلوبهم ; لأنه يقصد الظهور عندهم ومن كانت خطبته لله فليس يحصر عن حمد وصلاة وحض على خير وتحذير من شر أي شيء كان ولا يحصر إلا من كان له غرض غير الخير انتهى.
فرع : قال البرزلي سئل ابن عرفة عن مسألة حاصلها ما حكم ذكر خطيب الصلاة في خطبته الصحابة رضوان الله عليهم والسلطان - سدده الله - وما قول من قال: إن ذلك بدعة وما قول من قال: إن ذلك شرع لا يخالف أو واجب لا يترك وجوابها أن نقول: أما بدعة ذكر الصحابة فهذا عندي جائز حسن لاشتماله على تعظيم من علم تعظيمه من الشريعة ضرورة ونظرا ولا سيما إذا مزج ذلك بما كانوا عليه من نصرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبذل نفوسهم في إظهار الدين وأما بدعة ذكر السلاطين بالدعاء والقول السالم من الكذب فأصل وضعها في الخطبة من حيث ذاته مرجوح ; لأنها مما لم يشهد الشرع باعتبار حسنها فيما أعلم. وأما بعد إحداثها واستمرارها في الخطب في أقطار الأرض وصيرورة عدم ذكرها مظنة اعتقاد السلاطين في الخطيب ما يخشى غوائله ولا تؤمن عاقبته فذكرهم في الخطب راجح أو واجب انتهى. وقال سند وأما الدعاء للسلاطين فلا يستحب لما روي عن عطاء أنه سئل عن ذلك فقال هو محدث. وقال في الروض لابن المقري من الشافعية والمختار لا بأس بالدعاء للسلاطين قال في شرحه: ما لم تكن فيه مجاوزة في وصفه ; إذ يستحب الدعاء بصلاح السلطان انتهى.
ص: "تحضرهما الجماعة" ش: يريد وجوبا قال ابن عرفة قال ابن القصار والقاضي عبد الوهاب واللخمي لا نص وظاهر المذهب وجوبه وقال ابن رشد: في وجوبه قولان لها ولغيرها وقال الباجي الوجوب نصها ; لأن فيها لا يجمع إلا بجماعة والإمام يخطب وصوبه عياض من هذه الرواية انتهى. وكذلك قال صاحب الطراز الذي حكاه عبد الوهاب هو مقتضى الكتاب ثم جعله المذهب فإنه قال في توجيهه: ووجه المذهب قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (1) ولم يصل صلى الله عليه وسلم قط جمعة إلا بخطبة في جماعة مستقلة ; ولأن الغرض الموعظة والتذكير وذلك ينافي كونه واحدة.
ـــــــ
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان باب 18. الدارمي في كتاب الصلاة باب 42, أحمد في مسنده (5/53).

الصفحة 529