كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 2)

..............................................................................................
ـــــــ
ترتفع فضيلة الرواح وتحضر الملائكة للذكر وأن ذلك متصل بالساعة الخامسة وهذا باطل باتفاق فثبت أنه لم يرد به الساعة الخامسة من ساعات النهار ; لأن الساعة السادسة تصل بينها وبين الذكر, وإذا بطل ذلك ثبت أنه إنما أريد به أجزاء من الساعة السادسة وتلك الساعة يصح تجزئتها على خمسة أجزاء وأقل وأكثر ودليل ثان أنه صلى الله عليه وسلم قال: ثم راح. والرواح إنما يكون بعد نصف النهار أو ما قرب من ذلك انتهى. واقتصر الجزولي في أحد شروحه على الرسالة على نقل كلام الباجي وأما عبد الوهاب وابن ناجي فلم يتعرضا لتبيين الوقت. وقول القرافي والموجود لمالك إنما هو إلى آخره يقتضي أنه لم يرد عن مالك نص على أنها قبل الزوال وقد ورد مصرحا به في سماع أشهب من العتبية وبينه ابن رشد ولم يحك غيره فتقوى القول الذي صححه القرافي وزاد صحة على صحة بورود النص عن مالك على وقفه وتقرير ابن رشد له غير أنه لم يصرح بأن وقت الرواح يدخل بأول الساعة السادسة وإنما ذكر أن التهجير يكون قبل الزوال ويرجع في قدر ذلك إلى ما اتصل به العمل كما سيأتي ونصه مسألة. وسئل عن التهجير يوم الجمعة قال نعم يهجر بقدر. قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49) وقال: { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} (الطلاق: من الآية3) وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدون إلى الجمعة هكذا وأنا أكره هذا القدر هكذا حتى إن المرء لا يعرف به وأنا أخاف على هذا الذي يقدر أن يدخله شيء وأن يحب أن يعرف به فأنا أكرهه ولا أحبه ولكن رواحا بقدر وقد سمعت السائل يسأل ربيعة يقول لأن ألقى في طريق المسجد أحب إلي من أن ألقى في طريق السوق فقيل لمالك ما تقول أنت في هذا ؟. فقال هذا ما لا يجد أحد منه بدا قيل له أفترى أن يروح قبل الزوال ؟. قال نعم في رأيي. قيل له: أتهجر بالرواح إلى الصلاة يوم الجمعة ؟. فقال: نعم, في ذلك سعة. قال القاضي محمد بن رشد كره مالك الغدو بالرواح إلى الجمعة من أول النهار ; لأنه لم يكن ذلك من العمل المعمول به على ما ذكره عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يغدون إلى الجمعة فاستدل بذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بالخمس ساعات في قوله: ثم راح في الساعة الأولى إلى آخر الحديث ساعات النهار المعلومة من أولها على ما ذهب إليه جماعة من العلماء ومنهم الشافعي وأنه إنما عنى بذلك ساعة الرواح وهي التي تتصل بالزوال وقت خروج الإمام فهي التي تنقسم على الخمس فيكون الرائح في الأولى منها كالمهدي بدنة وفي الثانية كالمهدي بقرة وفي الثالثة كالمهدي كبشا أقرن وفي الرابعة كالمهدي دجاجة وفي الخامسة كالمتصلة بالزوال وخروج الإمام كالمهدي بيضة.
ولما لم تكن هذه الساعة منقسمة على الخمس ساعات محدودة بجزء معلوم من النهار قبل زوال الشمس فيعلم حدها حقيقة وجب أن يرجع في قدرها إلى ما اتصل به العمل وأخذه الخلف عن السلف فلذلك قال مالك: إنه يهجر بقدر أي يتحرى قدر تهجير السلف فلا ينقص منه ولا يزيد عليه فيغدو من أول النهار ; لأنه إذا فعل ذلك عليهم شذ عنهم

الصفحة 537