كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 2)

كريح عاصفة بليل
ـــــــ
في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها مستطيلا أو كان ذا رائحة لا تؤلمه لسوء صناعته أو عاهة مؤذية كالجذام وشبه أذى, وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنهم كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول فإذا زالت بالعافية أو بتوبة أو بأي وجه زالت كان له مراجعة المسجد وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل تشكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فأفتى بإخراجه عن المسجد وإبعاده عنهم وأن لا يشهد معهم الصلاة انتهى. وذكر أنه استدل بحديث الثوم وقال: إنه أشد منه فليراجعه من أراده والله أعلم.
تنبيهان: الأول: تقدم عند قول المصنف وسن غسل متصل. عن اللخمي أنه قال وعلى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا نيا أن يستعمل ما يزيل ذلك عنه لقوله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا فأسقط حقه من المسجد فإذا كان من حق المصلين والملائكة والمسجد أن يخرج عنهم وكان حضور الجماعة واجبا وجب أن يزيل ما عليه من تلك الروائح انتهى من تبصرته انتهى.
الثاني : قال المازري بعد أن ذكر الخلاف في حضور الأجذم: وهذا على أنهم لا يجدون موضعا يتميزون فيه مما تجزئ فيه صلاة الجمعة, وأما لو وجدوا ; لوجبت الجمعة عليهم ومنعت المخالطة ; لأنه يمكننا حينئذ إقامة الحقين جميعا حق الله تعالى وحق الناس ولا شك أن الجامع إذا ضاق بأهله وأتوا الصلاة متميزين عن الناس في الأفنية بموضع لا يلحق الناس ضررهم أن الجمعة واجبة عليهم إذا صلوا بمكان لا يلحق ضررهم الناس وكان المكان مما تجزي فيه الجمعة وفي مختصر ابن شعبان قال مالك: من أكل ثوما لم يدخل المسجد ولا رحابه يشهد الجمعة. فأنت تراه كيف أشار إلى اجتناب الإضرار بالناس خاصة واجتناب هتك حرمة المسجد بالرائحة المنتنة دون أن يشير إلى سقوط الجمعة وهذا هو المعنى الذي قلناه على أنه يبقى النظر فيما قاله في أكل الثوم إذا منع من دخول المسجد ورحابه هل تكون صلاته بالفناء مع اتساع الجامع لدخوله مجزئة عند من رأى أن الصلاة بالأفنية اختيارا مع سعة الجامع لا تجزئ في الجمعة لكون هذا ممنوعا من الدخول إلى الجامع شرعا فأشبه من صلى بالفناء وقد ضاق المسجد عنه, أو يكون عند هؤلاء في صلاته فساد لسعة الجامع إياه وإن كان قد طرده الشرع عنه وهذا مما ينظر فيه انتهى. ص: "كريح عاصفة بليل" ش: قال في الطراز.

الصفحة 559