كتاب الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ (اسم الجزء: 2)

الجوهري (١) في مسند (٢) حديث الموطأ قال: "في رواية ابنِ القاسم ويحيى بن يحيى الأندلسي: عَمرو بن عثمان". يعني مخفَّفًا (٣).
وهذا الحديث مختصر في الموطأ، وزاد في رواية ابنِ وَهب: "ولا يرثُ
---------------
(١) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن محمّد الغافقي أبو القاسم الجوهري المالكي، توفي سنة (٣٨٥ هـ). قال أبو عبد الله ابن الحذّاء: "كان فقيهًا ورعًا منقبضًا خيرًا مِن جلّة الفقهاء، وكان قد لزم بيته لا يخرج منه".
قال الذهبي: "صنّف مسند الموطأ بعلله واختلاف ألفاظه وإيضاح لغته وتراجم رجاله وتسمية مشايخ مالك فجوّده. . . وألّف حديث مالك ممّا ليس في الموطأ". انظر: الديباج المذهّب (ص: ١٤٨)، السير (١٦/ ٤٣٥)، شجرة النور (ص: ٩٣).
(٢) في الأصل: "سند"، وهو خطأ.
(٣) مسند الموطأ (ل: ٣٤/ أ).
والذي يظهر أنَّ رواية يحيى الليثي على ما ذكره المصنف بخلاف ما قاله ابن عبد البر، وأقوال هؤلاء الأئمة -وهم من أعلم الناس بموطأ مالك خاصة برواية يحيى الليثي- يُقدّم على قول ابن عبد البر، والله أعلم.
وأراد المصنف بهذا النقل والكلام إثبات رجوع الإمام مالك عن قوله: "عُمر" بضم العين، وتابع جماعة الرواة عن الزهري فقال: "عمرو"، يعني مخفَّفًا، واستدل بتأخر رواية يحيى وابن القاسم، وهو الظاهر.
وأما ابن عبد البر فذهب إلى تخطئة الإمام مالك فقال: "مالك لا يكاد يُقاس به غيره حفظًا وإتقانًا، ولكن الغلط لا يَسلَم منه أحدٌ، وأهلُ الحديث يأبَون أن يكون في هذا الإسناد إلَّا عَمرو بالواو. . . ". التمهيد (٩/ ١٦١). وقال أيضًا: "ومالكٌ حافظُ الدنيا، ولكن الغلط لا يسلم منه أحد". الاستذكار (١٥/ ٤٩٠).
وخطّأ مالكًا كَثيرٌ من أهل العلم كما تقدّم عن مسلم والشافعي وغيرهما، وهو قول النسائي أيضًا وأبي حاتم. انظر: السنن الكبرى (٤/ ٨١)، علل الحديث (٢/ ٥٠).
ولا شك أنَّ مالكًا أخطأ في قوله: "عُمر بن عثمان"، لكنه لما روجع عدة مرّات كما يظهر، وتبيّن له الخطأ رجع عنه في آخر حياته، تابع الجماعةَ عن الزهري كما قال المصنف، والله أعلم.

الصفحة 22