كتاب الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ (اسم الجزء: 2)

ولعلَّ ابنَ عمر إنَّما أراد بقوله: "هذا عَهْد نبيّنا إلينا"، أنَّه عَهِدَ به إلى جُملةِ أصحابِه، وهو منهم، فيتناولُه العهدُ وإن كان غائبًا في حينِ الأَمر.
وقال الدارقطني: "ليس هذا القول بِمحفوظٍ". قال: "ولعلَّه أراد هذا عَهدُ صاحبِنا إلينا، يعني عمر". وذَكَرَ أنّ نافعًا رواه عن ابن عمر عن عمرَ قولَه موقوفًا عليه (١). وهذا في الموطأ (٢).
وقولُ أبي الحسن تَعَسُّفٌ (٣).
---------------
(١) لم أقف على قول الدارقطني.
(٢) الموطأ كتاب: البيوع، باب: بيع الذهب بالفضة تبرًا وعينًا (٢/ ٤٩٣) (رقم: ٣٤).
وإسناده من أصح الأسانيد.
(٣) لأنَّ استعمالَ هذه الصيغة أعني (عهد إلينا) أو (خرج علينا) أو غير ذلك شائع عند السلف وإن لم يكن المخبر موجودًا في تلك الواقعة، وهذا كقول البراء بن عازب فيما أخرجه ابن عدي في الكامل (٢/ ١٨)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٦٠/ ١٦٢)، و (١٧/ ١٤٠، ١٤١ - مخطوط): "لم يكن فينا فارس يوم بدر إلاّ المقداد". قال ابن عساكر: "قوله: "فينا" يعني المسلمين؛ لأنَّ البراء لم يشهد بدرًا". "ووقع فيه: لأن البراء شهد بدرًا. والصحيح ما أثبتّه".
لكن الأثر معلّ، والصحيح فيه أنه من قول علي رضى الله عنه، كما في العلل للدارقطني (٢/ ١٨٤).
ولعل مما يشهد لهذه القاعدة ما ذكره علي بن سهيل النسائي: "سمعت الإمام أحمد يقول: قدم علينا ابن المبارك سنة تسع وسبعين فقال: من سمع من ابن لهيعة منذ عشرين سنة فهو صحيح.
قلت له: سمعتَ ابن المبارك؟ قال: لا". المجروحين (٢/ ١٢).
يبيّنه قوله: "بلغني عن ابن المبارك أنه قال ها هنا ببغداد". المعرفة والتاريخ (٢/ ١٨٥).
ويدل عليها أيضًا حديث الرجل الذي لا يسلّط عليه الدجال عند خروجه فيقول الرجل: "أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه". أخرجه البخاري في صحيحه (٨/ ٤٤٢) (رقم: ٧١٣٢).
قال السخاوي: "إذ من المعلوم تأخر ذلك الرجل فيكون حينئذ مراده حدّث الأمة وهو منهم". فتح المغيث (٢/ ١٥٧).
لذا كان قول الدارقطني فيه تكلّف وتعسّف كما قال المؤلف رحمه الله تعالى، خاصة أن ابن عمر قال: "هذا عهد نبيّنا إلينا". =

الصفحة 509