كتاب ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها (اسم الجزء: 2)

قلت: فهذا محمد بن كثير العبدي - وهو ثقة - قد خالف الذماري عن سفيان، فجاء به مرسلاً، وهكذا يرويه أصحاب الثوري عنه، كما قال البيهقي رحمه الله - والدارقطني قبله - وإذا كان كذلك: فإن رواية الثوري هذه لا تَصْلُحُ لمتابعة رواية جرير بن حازم أيضاً؛ إذ إن الصواب عن الثوري فيها: مرسلٌ، فتوافق رواية الجماعة الذين جاءوا به عن أيوب، عن عكرمة مرسلاً.
وأما ما تقدم في كلام أبي حاتم - رحمه الله - من أن الوهم فيه من حسين بن محمد: فقد رَدَّهُ الخطيب البغدادي رحمه الله، فنقل عنه ابن عبد الهادي قوله:"قد رواه سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم -أيضاً- كما رواه حسين، فبرئت عهدته، وزالت تبعته"1. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يمتنع أن يكون الوهم فيه من جرير بن حازم، وأن يكون قد أخطأ فيه، كما تقدم في كلام البيهقي رحمه الله.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث لا يصحُّ متصلاً، وأن إرساله هو الصواب، كما قال: أبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني، والبيهقي رحمهم الله تعالى.
وقد ذهب بعض الأئمة إلى صحة الحديث، فقال ابن القطان: "حديث صحيح"2. وذهب ابن التركماني إلى أن وصله زيادة من ثقة، فلا يضرُّ إرسال من أرسله، هذا مع المتابعات التي وُجِدَتْ له3. وقال
__________
1 نصب الراية: (3/190) .
2 المصدر السابق.
3 الجوهر النقي: (7/117) .

الصفحة 546