كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 2)

وفى رِوَايَة أُخْرَى كَانَ إِذا مد يَده إِلَى طَعَام فِيهِ شُبْهَة تحرّك لَهُ عرق فى أُصْبُعه فَيمْتَنع مِنْهُ
وَقَالَ الْجُنَيْد مَاتَ أَبُو الْحَارِث يَوْم مَاتَ وَإِن الْحَارِث لمحتاج إِلَى دانق فضَّة وَخلف أَبوهُ مَالا كثيرا وَمَا أَخذ مِنْهُ حَبَّة وَاحِدَة وَقَالَ أهل ملتين لَا يتوارثان وَكَانَ أَبوهُ رَافِضِيًّا
وَقَالَ أَبُو على بن خيران الْفَقِيه رَأَيْت الْحَارِث بِبَاب الطاق فى وسط الطَّرِيق مُتَعَلقا بِأَبِيهِ وَالنَّاس قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ يَقُول أمى طَلقهَا فَإنَّك على دين وهى على دين غَيره
وَهَذَا من الْحَارِث بِنَاء على القَوْل بتكفير الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّهُ كَانَ يرى ذَلِك وَأما الْحِكَايَة الْمُتَقَدّمَة فى أَنه لم يَأْخُذ من مِيرَاث أَبِيه فَلَعَلَّهُ ترك الْأَخْذ من مِيرَاثه ورعا لِأَنَّهُ فى مَحل الْخلاف إِذْ فى تَكْفِير الْقَدَرِيَّة خلاف وفى نفى التَّوَارُث بِنَاء على التَّكْفِير أَيْضا خلاف وَابْن الصّلاح جعل عدم أَخذه من مِيرَاث أَبِيه دَلِيلا مِنْهُ على أَنه يَقُول بالتكفير وَفِيه نظر لاحْتِمَال أَنه فعل ذَلِك ورعا وَقد صرح بَعضهم بذلك وَبِأَن الله عوضه عَن ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ لَا يدْخل بَطْنه إِلَّا الْحَلَال الْمَحْض كَمَا تقدم
وَأما حمله أَبَاهُ على أَن يُطلق امْرَأَته فصريح فى أَنه كَانَ يرى التَّكْفِير إِذْ لَا مَحل للورع هُنَا
وَقيل أنْشد قَوَّال بَين يدى الْحَارِث هَذِه الأبيات
(أَنا فى الغربة أبكى ... مَا بَكت عين غَرِيب)
(لم أكن يَوْم خروجى ... من بلادى بمصيب)
(عجبا لى ولتركى ... وطنا فِيهِ حبيبى)
فَقَامَ يتواجد ويبكى حَتَّى رَحمَه كل من حَضَره
وروى الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملى القاضى قَالَ قَالَ أَبُو بكر بن هَارُون بن المجدر

الصفحة 277