كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 2)

سَمِعت جَعْفَر ابْن أخى أَبى ثَوْر يَقُول حضرت وَفَاة الْحَارِث فَقَالَ إِن رَأَيْت مَا أحب تبسمت إِلَيْكُم وَإِن رَأَيْت غير ذَلِك تنسمتم فى وجهى قَالَ فَتَبَسَّمَ ثمَّ مَاتَ
قَوْله تنسمتم فى وجهى بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا نون ثمَّ سين ضبطناه لِئَلَّا يتصحف
توفى الْحَارِث سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
ذكر الْبَحْث عَمَّا كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام أَحْمد
أول مَا نقدمه أَنه ينبغى لَك أَيهَا المسترشد أَن تسلك سَبِيل الْأَدَب مَعَ الْأَئِمَّة الماضين وَأَن لَا تنظر إِلَى كَلَام بَعضهم فى بعض إِلَّا إِذا أَتَى ببرهان وَاضح ثمَّ إِن قدرت على التَّأْوِيل وتحسين الظَّن فدونك وَإِلَّا فَاضْرب صفحا عَمَّا جرى بَينهم فَإنَّك لم تخلق لهَذَا فاشتغل بِمَا يَعْنِيك ودع مَالا يَعْنِيك وَلَا يزَال طَالب الْعلم عندى نبيلا حَتَّى يَخُوض فِيمَا جرى بَين السّلف الماضين وَيقْضى لبَعْضهِم على بعض فإياك ثمَّ إياك أَن تصغى إِلَى مَا اتّفق بَين أَبى حنيفَة وسُفْيَان الثورى أَو بَين مَالك وَابْن أَبى ذِئْب أَو بَين أَحْمد بن صَالح والنسائى أَو بَين أَحْمد ابْن حَنْبَل والْحَارث المحاسبى وهلم جرا إِلَى زمَان الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ تقى الدّين بن الصّلاح فَإنَّك إِن اشتغلت بذلك خشيت عَلَيْك الْهَلَاك فالقوم أَئِمَّة أَعْلَام ولأقوالهم محامل رُبمَا لم يفهم بَعْضهَا فَلَيْسَ لنا إِلَّا الترضى عَنْهُم وَالسُّكُوت عَمَّا جرى بَينهم كَمَا يفعل فِيمَا جرى بَين الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم
إِذا عرفت ذَلِك فَاعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد رضى الله عَنهُ كَانَ شَدِيد النكير على من يتَكَلَّم فى علم الْكَلَام خوفًا أَن يجر ذَلِك إِلَى مَا لَا ينبغى وَلَا شكّ أَن السُّكُوت عَنهُ مَا لم تدع إِلَيْهِ الْحَاجة أولى وَالْكَلَام فِيهِ عِنْد فقد الْحَاجة بِدعَة وَكَانَ الْحَارِث قد تكلم فى شئ من مسَائِل الْكَلَام
قَالَ أَبُو الْقَاسِم النصراباذى بلغنى أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل هجره بِهَذَا السَّبَب

الصفحة 278