كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 2)

وَالثَّالِث أَن قَوْلهم مُعْتَبر إِلَّا فِيمَا خَالف الْقيَاس الجلى
قلت وَهُوَ رأى الشَّيْخ أَبى عَمْرو بن الصّلاح
وسماعى من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أَن الذى صَحَّ عِنْده عَن دَاوُد أَنه لَا يُنكر الْقيَاس الجلى وَإِن نقل إِنْكَاره عَنهُ ناقلون قَالَ وَإِنَّمَا يُنكر الخفى فَقَط
قَالَ ومنكر الْقيَاس مُطلقًا جليه وخفيه طَائِفَة من أَصْحَابه زعيمهم ابْن حزم
قلت ووقفت لداود رَحمَه الله على رِسَالَة أرسلها إِلَى أَبى الْوَلِيد مُوسَى بن أَبى الْجَارُود طَوِيلَة دلّت على عَظِيم مَعْرفَته بالجدل وَكَثْرَة صناعته فى المناظرة وقصدى من ذكرهَا الْآن أَن مضمونها الرَّد على أَبى إِسْمَاعِيل المزنى رَحمَه الله فى رده على دَاوُد إِنْكَار الْقيَاس وشنع فِيهِ على المزنى كثيرا وَلم أجد فى هَذَا الْكتاب لَفْظَة تدل على أَنه يَقُول بشئ من الْقيَاس بل ظَاهر كَلَامه إِنْكَاره جملَة وَإِن لم يُصَرح بذلك وَهَذِه الرسَالَة الَّتِى عندى أصل صَحِيح قديم أعتقده كتب فى حُدُود سنة ثَلَاثمِائَة أَو قبلهَا بِكَثِير ثمَّ وقفت لداود رَحمَه الله على أوراق يسيرَة سَمَّاهَا الْأُصُول نقلت مِنْهَا مَا نَصه
وَالْحكم بِالْقِيَاسِ لَا يجب وَالْقَوْل بالاستحسان لَا يجوز انْتهى
ثمَّ قَالَ وَلَا يجوز أَن يحرم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيحرم محرم غير مَا حرم لِأَنَّهُ يُشبههُ إِلَّا أَن يوقفنا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عِلّة من أجلهَا وَقع التَّحْرِيم مثل أَن يَقُول حرمت الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا مكيلة واغسل هَذَا الثَّوْب لِأَن فِيهِ دَمًا أَو اقْتُل هَذَا إِنَّه أسود يعلم بِهَذَا أَن الذى أوجب الحكم من أَجله هُوَ مَا وقف عَلَيْهِ وَمَا لم يكن ذَلِك فالبعيد وَاقع بِظَاهِر التَّوْقِيف وَمَا جَاوز ذَلِك فمسكوت عَنهُ دَاخل فى بَاب مَا عفى عَنهُ انْتهى
فَكَأَنَّهُ لَا يُسمى مَنْصُوص الْعلَّة قِيَاسا وَهَذَا يُؤَيّد مَنْقُول الشَّيْخ الإِمَام وَهُوَ قريب من نقل الآمدى
فالذى أرَاهُ الِاعْتِبَار بِخِلَاف دَاوُد ووفاقه نعم للظاهرية مسَائِل لَا يعْتد بِخِلَافِهِ فِيهَا لَا من حَيْثُ إِن دَاوُد غير أهل للنَّظَر بل لخرقه فِيهَا إِجْمَاعًا تقدمه وعذره أَنه لم يبلغهُ

الصفحة 290