كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 2)

وَالثَّالِث التَّمَسُّك بِقصَّة أَصْحَاب الْكَهْف فَإِن لبثهم ثَلَاث مائَة سِنِين وأزيد نياما أَحيَاء من غير آفَة مَعَ بَقَاء الْقُوَّة العادية بِلَا غذَاء وَلَا شراب من جملَة الخوارق وَلم يَكُونُوا أَنْبيَاء فَلم تكن معْجزَة فَتعين كَونهَا كَرَامَة
وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاق الْمُسلمين على أَنهم لم يَكُونُوا أَنْبيَاء وَإِنَّمَا كَانُوا على دين ملك فى زمانهم يعبد الْأَوْثَان فَأَرَادَ الله أَن يهْدِيهم فشرح صُدُورهمْ لِلْإِسْلَامِ وَلم يكن ذَلِك عَن دَعْوَة دَاع دعاهم وَلَكنهُمْ لما وقفُوا تَفَكَّرُوا وتدبروا ونظروا فاستبان لَهُم ضلال صَاحبهمْ وَرَأَوا أَن يُؤمنُوا بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرضين ومبدع الْخَلَائق أَجْمَعِينَ
وَلَا يُمكن أَن يَجْعَل ذَلِك معْجزَة لنبى آخر
أما أَولا فلأنهم أخفوه حَيْثُ قَالُوا {وَلَا يشعرن بكم أحدا} والمعجزة لَا يُمكن إِخْفَاؤُهَا
وَأما ثَانِيًا فَلِأَن المعجزة يجب الْعلم بهَا وبقاءهم هَذِه الْمدَّة لَا يُمكن علم الْخلق بِهِ لِأَن الْخلق لم يشاهدوه فَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بإخبارهم لَو صَحَّ أَنهم يعلمُونَ ذَلِك وإخبارهم بذلك إِنَّمَا يُفِيد إِذا ثَبت صدقهم بِدَلِيل آخر وَهُوَ غير حَاصِل وَأما إِثْبَات صدقهم بِهَذَا الْأَمر فدور مُمْتَنع لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثبت هَذَا الْأَمر إِذا ثَبت صدقهم فَلَو توقف صدقهم عَلَيْهِ لدار
وَأما ثَالِثا فَإِنَّهُ لَيْسَ لذَلِك النبى ذكر وَلَا دَلِيل يدل عَلَيْهِ فإثبات المعجزة لَهُ لَا فَائِدَة فِيهِ لِأَن فَائِدَة المعجزة التَّصْدِيق وتصديق وَاحِد غير معِين محَال
الرَّابِع التَّمَسُّك بقصص شَتَّى مثل قصَّة آصف بن برخيا مَعَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فى حمل عرش بلقيس إِلَيْهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْهِ طرفه على قَول أَكثر الْمُفَسّرين بِأَنَّهُ المُرَاد بالذى عِنْده علم من الْكتاب وَمَا قدمْنَاهُ عَن الصَّحَابَة وَمَا تَوَاتر عَمَّن بعدهمْ من الصَّالِحين وَخرج عَن حد الْحصْر وَلَو أَرَادَ الْمَرْء استيعابه لما كفته أوساق أحمال وَلَا أوقار جمال ومازال النَّاس فى الْأَعْصَار السَّابِقَة وهم بِحَمْد الله إِلَى الْآن فى الْأَزْمَان اللاحقة وَلَكنَّا نستدل بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فقد كَانُوا من قبل مَا نبغ النابغون وَنَشَأ الزائغون يتفاوضون

الصفحة 336