كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 2)

فى كرامات الصَّالِحين وينقلون مَا جرى من ذَلِك لعباد بنى إِسْرَائِيل فَمن بعدهمْ وَكَانَت الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم من أَكثر النَّاس خوضا فى ذَلِك
الْخَامِس مَا أعطَاهُ الله تَعَالَى لعلماء هَذِه الْأمة وأوليائها من الْعُلُوم حَتَّى صنفوا كتبا كَثِيرَة لَا يُمكن غَيرهم نسخهَا فى مُدَّة عمر مصنفها مَعَ التَّوْفِيق لدقائق تخرج عَن حد الْحصْر واستنباطات تطرب ذوى النهى واستخراجات لمعان شَتَّى من الْكتاب وَالسّنة تطبق طبق الأَرْض وَتَحْقِيق للحق وَإِبْطَال للباطل وَمَا صَبَرُوا عَلَيْهِ من المجاهدات والرياضات وَالدَّعْوَى إِلَى الْحق وَالصَّبْر على أَنْوَاع الْأَذَى وعزوف أنفسهم عَن لذات الدُّنْيَا مَعَ نِهَايَة عُقُولهمْ وذكائهم وفطنتهم وَمَا حبب إِلَيْهِم من الدأب فى الْعُلُوم وكد النَّفس فى تَحْصِيلهَا بِحَيْثُ إِذا تَأمل المتأمل مَا أَعْطَاهُم الله مِنْهُ عرف أَنه أعظم من إِعْطَائِهِ بعض عبيده كسرة خبز فى أَرض مُنْقَطِعَة وشربة مَاء فى مفازة وَنَحْوهمَا مِمَّا يعد كَرَامَة
فَإِن قلت قد أَكثرْتُم القَوْل فى الكرامات وَمَا أفصحتم بالمختار عنْدكُمْ من الْأَقْوَال المنقولات
قلت هَذَا مقَام معضل خطر والاحتجار على مواهب الله لأوليائه عَظِيم عسر والاتساع فِي التجويز آيل إِلَى فتح بَاب على المعجزات مسدود
وَالَّذِي يتَرَجَّح عِنْدِي القَوْل بتجويز الكرامات على الْإِطْلَاق إِذا لم تخرق عَادَة وبتجويز بعض خوارق العوائد دون بعض فَلَا أمنع كثيرا من الخوارق وَأَمْنَع كثيرا ولي فِي ذَلِك قدوة وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي رَحمَه الله تَعَالَى
فَإِن قلت عرفني مَا تَمنعهُ ومالا تَمنعهُ ليتبين مذهبك
قلت أمنع ولدا من غير أبوين وقلب جماد بَهِيمَة وَنَحْو ذَلِك وسيتضح لَك ذَلِك عِنْد ذكر الْأَنْوَاع الَّتِي أبديها على الْأَثر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما جُمْهُور أَئِمَّتنَا فعمموا التجويز وأطلقوا القَوْل إطلاقا وَأخذ بعض الْمُتَأَخِّرين يعدد

الصفحة 337