كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 2)
حِفْظِهِ بِحَيْثُ يَبْعُدُ زَوَالُهُ عَنِ الْقُوَّةِ الْحَافِظَةِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنَ اسْتِحْضَارِهِ مَتَى شَاءَ.
(إِنْ حَدَّثَ حِفْظًا) أَيْ: مِنْ حِفْظِهِ (وَيَحْوِي كِتَابَهُ) أَيْ: يَحْتَوِي عَلَيْهِ [بِنَفْسِهِ أَوْ بِثِقَةٍ] ، وَيَصُونُهُ عَنْ تَطَرُّقِ التَّزْوِيرِ وَالتَّغْيِيرِ إِلَيْهِ، مِنْ حِينِ سَمِعَ فِيهِ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ (إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِي) ، وَأَنْ يَكُونَ (يَعْلَمُ مَا فِي اللَّفْظِ مِنْ إِحَالَهْ) ، بِحَيْثُ يُؤْمَنُ مِنْ تَغْيِيرِ مَا يَرْوِيهِ (إِنْ يَرْوِ بِالْمَعْنَى) وَلَمْ يُؤَدِّ الْحَدِيثَ كَمَا سَمِعَهُ بِحُرُوفِهِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ صَرِيحًا إِلَّا الْأَوَّلَ، فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: " أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لِمَا يُحَدِّثُ بِهِ " لِقَوْلِ ابْنِ حِبَّانَ: " هُوَ أَنْ يَعْقِلَ مِنْ صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ مَا لَا يَرْفَعُ مَوْقُوفًا، وَلَا يَصِلُ مُرْسَلًا، أَوْ يُصَحِّفُ اسْمًا، فَهَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْيَقَظَةِ ".
وَقَدْ ضَبَطَ ابْنُ الْأَثِيرِ الضَّبْطَ فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِهِ [بِمَا لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِهِ] فَقَالَ: " هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ احْتِيَاطٍ فِي بَابِ الْعِلْمِ، وَلَهُ طَرَفَانِ: الْعِلْمُ عِنْدَ السَّمَاعِ، وَالْحِفْظُ بَعْدَ الْعِلْمِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ، حَتَّى إِذَا سَمِعَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا، كَمَا لَوْ سَمِعَ صِيَاحًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْهَمِ اللَّفْظَ بِمَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ ضَبْطًا، وَإِذَا شَكَّ فِي حِفْظِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ لَمْ يَكُنْ ضَبْطًا ".
[نَوْعَا الضَّبْطِ]
[نَوْعَا الضَّبْطِ] قَالَ: " ثُمَّ الضَّبْطُ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، فَالظَّاهِرُ ضَبْطُ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ، وَالْبَاطِنُ ضَبْطُ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِهِ، وَهُوَ الْفِقْهُ، وَمُطْلَقُ الضَّبْطِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الرَّاوِي هُوَ الضَّبْطُ ظَاهِرًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ
الصفحة 4
320