كتاب المعرفة والتاريخ (اسم الجزء: 2)
علج يحمل على عنقه شَيْئًا. فَقُلْتُ: ضَعْهُ. فَوَضَعَهُ فَإِذَا خُبْزٌ، فَقُلْتُ:
أَطْعِمْنِي مِنْهُ. قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ وَلَكِنَّهُ شَحْمُ [1] خِنْزِيرٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ تَرَكْتُهُ وَمَضَيْتُ، ثُمَّ لَقِيتُ آخَرَ يَحْمِلُ عَلَى عُنُقِهِ طَعَامًا فَقُلْتُ: أَطْعِمْنِي؟
قَالَ: تَزَوَّدْتُ هَذَا لِكَذَا وَكَذَا مِنْ يَوْمٍ فَإِنْ أَخَذْتَ مِنْهُ شَيْئًا أضررت بي وأجعتني. فتركته، ثم مضيت فو الله إِنِّي لَأَسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ خَلْفِي وَجْبَةً كَخَوَاتَةِ الطَّيْرِ- يَعْنِي صَوْتَ طَيَرَانِهِ [2]- فَالْتَفَتُّ فَإِذَا شَيْءٌ مَلْفُوفٌ فِي سِبٍّ أَبْيَضَ- أَيْ خِمَارٍ- فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا دَوْخَلَةٌ [3] مِنْ رُطَبٍ فِي زَمَانٍ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ رُطَبَةٍ. فَأَكَلْتُ مِنْهُ فَلَمْ آكُلُ رُطَبًا أَطْيَبَ مِنْهُ، وَشَرِبْتُ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ لَفَفْتُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَرَكِبْتُ الْفَرَسَ وَحَمَلْتُ نَوَاهُنَّ مَعِيَ [4] .
قَالَ: حَدَّثَنِي أَوْفَى بْنُ دُلْهَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ ذَلِكَ السِّبَّ مَعَ امْرَأَتِهِ مَلْفُوفًا فِيهِ مُصْحَفُهَا. ثُمَّ فُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُدْرَى أَسُرِقَ أَوْ ذَهَبَ [أَوْ] مَا صُنِعَ [بِهِ] [5] .
فَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: كَانَ صِلَةُ ابن أَشْيَمَ يَخْرُجُ بِالنَّهَارِ إِلَى الْجَبَّانَةِ يُصَلِّي فِيهَا، وَكَانَ يَمُرُّ بِأَهْلِ مَجْلِسٍ يَنْتَقِلُونَ مِنْ فَيْءٍ إِلَى فَيْءٍ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ بِهِ وَبِهِمْ (22 أ) وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: مَا تَقُولُونَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ فِي قَوْمٍ سَفَرٍ جَازُوا بالنهار وناموا
__________
[1] في الحلية (2/ 239) «فيه شحم خنزير» .
[2] وهكذا معناها في لسان العرب مادت «خوت» 2/ 336.
[3] الدوخلّة: سفينة من خوص يوضع فيها الرطب (لسان العرب: مادة «دخل» 13/ 259) .
[4] قارن مع ابن سعد 7/ 135- 136.
[5] أوردها ابو نعيم: الحلية 2/ 239 من طريق عبد الله بن المبارك أيضا بألفاظ مقاربة.
الصفحة 78