كتاب كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح (اسم الجزء: 2)

وقد تأول الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث على إبطال ما يفعله أهل الجاهلية.
قال (¬1): كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا في حيه استعوى كلبًا فحمى مَدَى عُواء الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، قال: فنرى أن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حمى إلا لله ولرسوله" لا حمى على هذا المعنى الخاص، وأن قوله لله، فلله كل شيء ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إنما يحمي مصالح المسلمين لا كما يحمي غيره لخاصة نفسه انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه.
قال البغوي في شرح السنة (¬2): وكان الحمى جايزًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - لخاصة نفسه، لكنه لم يفعل، إنما حمى النقيع -بالنون- لمصالح المسلمين للخيل المعدّة لسبيل الله، وما أشبهها، والصحيح: أن للإمام بعده - صلى الله عليه وسلم - أن يحمي لرعى نعم الجزية، وخيل المقاتلة والأموال الضالة، والصدقة، ومال من يضعف عن الإبعاد في طلب النجعة ولم يضر ذلك بالناس ولا يحمي لنفسه.

2213 - قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اسق يا زبير! ثمَّ أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه ثمَّ قال: "اسق يا زبير! ثمَّ احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثمَّ أرسل الماء إلى جارك"، فاستوعى النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.
قلت: رواه البخاري في مواضع منها في الشرب [وفي التفسير] ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود في القضاء والترمذي في الأحكام وفي التفسير والنسائيّ في القضاء وفي التفسير وابن ماجه في السنة وفي الأحكام كلهم من حديث عروة بن الزبير بن العوام
¬__________
(¬1) انظر الأم للشافعي (4/ 47)، وشرح السنة (8/ 272 - 273).
(¬2) شرح السنة (8/ 273).

الصفحة 549