كتاب جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (اسم الجزء: 2)

فَإِن الرجل إِذا زنا مرّة أَو مرَّتَيْنِ حصل غَرَضه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة ثمَّ إِنَّه قد يكون بعوض من أَحدهمَا للْآخر وَقد لَا يكون فَرُبمَا كَانَ فِيهِ ظلم للْغَيْر
وَأما الْمحبَّة والعشق فَإِن ذَلِك مُسْتَلْزم للعدوان على غَيرهمَا فِي الْعَادة فَإِن الْمحبَّة توجب أَن يُعْطي المحبوب من الْمَنَافِع وَالْأَمْوَال مَا يُوجب حرمَان الْغَيْر والعدوان عَلَيْهِ وَيُوجب من الِانْتِصَار للمحبوب وَالدَّفْع عَنهُ مَا فِيهِ أَيْضا ترك حق الْغَيْر والعدوان عَلَيْهِ أَلا تري أَن الرجل إِذا أحب غير امْرَأَته أَو الْمَرْأَة إِذا أحبت غير زَوجهَا قصر كل مِنْهُمَا فِي حُقُوق الآخر واعتدي عَلَيْهِ بل إِذا أحب الرجل امْرَأَة أَو صَبيا قصر فِي حُقُوق أَهله وأصدقائه مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ حق بل وظلمهم أَيْضا كَمَا يظلم غَيرهم لأَجله وَهَذَا سوى مَا فِي ذَلِك من حق الله الَّذِي يُوجب غليظ عِقَابه وَإِن كَانَ الرجل الْعَاقِل قد يقوم من الْحُقُوق بِمَا يُمكن ويدع الظُّلم بِحَسب الْإِمْكَان إِلَّا أَن هَذَا مَظَنَّة وَسبب لذَلِك وَهَذَا مِمَّا يُوجب تحير الرجل وتردده وتلومه إِلَى الْحق تَارَة وَإِلَى الْبَاطِل أُخْرَى وَهَذَا مرض عَظِيم كَمَا ذكر الله تَعَالَى ذَلِك فِي قَوْله فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض وَأما مَا فِي ذَلِك من ظلم كل مِنْهُمَا لنَفسِهِ ولخدنه فَذَاك ظَاهر لكنهما ظلما أَنفسهمَا فهما الظالمان المظلومان وَأما الْغَيْر فظلماه بِغَيْر رِضَاهُ وَلَا اخْتِيَاره
وَكَذَلِكَ مَا تُفْضِي إِلَيْهِ هَذِه الْمحبَّة الْبَاطِلَة من ظلم كل مِنْهُمَا للْآخر إِمَّا بقتْله وَإِمَّا بتعذيبه بِغَيْر الْحق وَإِمَّا مَنعه من الِاتِّصَال بِالنَّاسِ وَفعل مَا يخْتَار

الصفحة 391