كتاب العرف الشذي شرح سنن الترمذي (اسم الجزء: 2)

وبعض السلف منهم زيد بن ثابت وابن مسعود: إن المرأة تبين بعد مضي أربعة أشهر بلا تفريق القاضي، وقال الحجازيون وجمهور السلف: لا تبين إلا بحكم القاضي وفي اللعان عكس هذا، وأما وجه التفرقة بين الإيلاء واللعان عندنا فهو ما ذكره أن اللعان لما كان من أوله إلى آخره بمحضرة القاضي يكون التفريق أيضاً من القاضي، وأما الإيلاء فهذه وختمه ليس عند القاضي فلا يكون التفريق من القاضي، واستنبط ابن قيم عشرة استنباطات من القرآن على مذهب الحجازيين، وفي كتاب الأسماء والكنى للدولابي أثر صحابي موافقاً للحجازيين رواه بسند أبي حنيفة وأما وجه إيلائه ففي الصحيحين: أنه أكل العسل من عند زينب فقالت بعض أزواجه: إن في فيك رائحة مغافير، وفي سنن النسائي قصة مارية القبطية وأنه حرمها على نفسه لإرضاء حفصة، وفي رواية صحيحة أن أزواجه طلبن النفقة، ورجح الحافظ في النخبة ما في النسائي على ما في الصحيحين، وهاهنا مسألة أخرى وهي أن الشافعي ومالك بن أنس يقولان: إن تحريم الطعام وتحريم اللباس ليس له حكم بل هذا التحريم لغو، وقال أبو حنيفة: إن هذا التحريم يمين وله أيضاً أحكام، وتمسك بأن في القرآن سمى الله تعالى تحريم الحلال يميناً، وقال النووي: إن اليمين ليس تحريم الحلال بل كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلفظ بلفظ والله ونقول أن لفظ (والله) وإن كان في القصة والواقعة لكن ذكره ليس في القرآن وسمى القرآن باليمين ما هو مذكور فيه، وقوى ابن قيم قول الأحناف في زاد المعاد، وقال: إن تحريم الحلال يمين وهذه رواية عن أحمد بن حنبل وهاهنا إشكال للحافظ، وهو إن ترك القربان وإن كان أقل من أربعة أشهر إثم
ومنهي عنه فكيف ارتكبه؟ وما أجاب الحافظ، وقد أشار في فتح القدير إلى جوابه.
قوله: (اليمين كفارة إلخ) إن قيل: إنه برّ من إيلائه فكيف الكفارة؟ قلت: إنها كفارة التحريم الذي هو يمين ولي هاهنا كلام مستنبط من القرآن، وهو في مقابلة ابن تيمية بأنه تعالى يقول: إلخ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثم فرع الكفارة عليه ففرع الله الأحكام على تحريم الحلال الذي هو غير جائز وهو أن الظهار وتحريم الحلال من وادٍ واحد فتكون الكفارة فيهما، ويذكر في عامة كتبنا أن الكفارة بعد الحنث ولكني لا أجد أن الرجل إذا حرم الشيء الحلال على نفسه فهل يصير حراماً أم لا؟ فما وجدت في كتبنا مع التتبع الكثير إلا ما نقل ابن قيم من الحنفية أن يحرم الشيء ثم يحل عند العزم بالحنث.

الصفحة 430