كتاب العرف الشذي شرح سنن الترمذي (اسم الجزء: 2)

قوله: (فالحق إلخ) حديث الباب يخالفنا فإنا نقول: إنه إذا لاعن بنفي الولد قبل الولادة صح اللعان ولا ينتفي الولد ويكون نسبه منه لأنا لا نعلم بالقطع أنها حاملة لأنها لعلها نفخ بطنها لمرض لحقها، وهذا الإشكال على تقدير إن لاعَنَ رجل حالة حبلها، وتفصيل مذهبنا أنه إن أراد نفي الولد وقطع نسبه منه فعليه أن يلاعن بعد الولادة متصلاً، ولو تأخر زماناً أو لاعَنَ قبل الولادة لا ينقطع النسب، وأجاب صاحب الهداية عن حديث الباب بأنه لعله علم كونها حاملة بالوحي: أقول: لعله أراد دعاءه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «اللهم بين» وبوب الطحاوي على هذا وعندي جواب طويل.
مسألة: في كتب الحنفية أن قضاء القاضي بشهادة الزور من الشاهدين في العقود والفسوخ لا الأملاك المرسلة إذا كان المحل قابل الإنشاء نافذ ظاهراً وباطناً بشرط أن لا يكون القاضي آخذ الرشوة فيحل في هذه الصورة للمرأة فيما بينها وبين الله أن تمكن الرجل منها، وقد قرر الطحاوي هذه المسألة، وفي فتح القدير أن إثم الكذب ووزره مسلط على الناكح والشاهدين في الآخرة، وأنكر الناس على أبي حنيفة هذه المسألة ومنهم البخاري، أقول: لا وجه للإنكار على هذا وله نظائر من السلف، وصنف العلامة قاسم بن قطلوبغا في هذه المسألة كتاباً مستقلاً، ومن مبلغات محمد في الأصل ذكره في رد المحتار عن علي ما قال أبو حنيفة: فإن رجلاً ادعى عند علي أن هذه زوجته وشهد الشاهدان عليها فقضى أمير المؤمنين فقالت بعد النكاح: إني أعلم أن هذا الرجل كاذب فقضيت به فأنكحني به يا أمير المؤمنين كيلا يأثم في وقاعه علي، فقال علي: شاهداك زوجاك، وكذا عن الشعبي في المبسوط، فقال أبو حنيفة في هذه الصورة: إن قضاء القاضي نكاح ولذا قال بعض المشائخ بأن شهود الشاهدين وقت القضاء واجب بخلاف سائر الأقضية وهذا خلاف أكثر المشائخ، والقاضي له ولاية على المؤمنين والمؤمنات من وجه حتى قال الشافعي: يفرق القاضي بين الزوجين بسبب الأعذار الخمسة في الزوجة أو الأعذار في الزوج فيكون كذلك له ولاية الضم فيما بينهما، وتدل مسائل التفريق أن القضاء ثبت من وجه وليس مظهراً محضاً كما ذكره في رد المحتار من تعريفه عن بعضهم، وكذلك جعلوه مثبتاً في المسائل المجتهد فيها أو أثبتوا الحكم اقتضاء، وفي الرجوع عن الشهادة لم يفسخوا الحكم، وراجع الفتح ص (302) ، (12) ولكن في القياس على اللعان تردد لأن اللعان انتقل فيه إلى حكم آخر وهو التفريق من ولاية الحاكم بخلاف القضاء بشهادة الزور فإنه قضاء بعين ما شهدوا به وليس انتقالاً، ثم إن جعله حلالاً للمقضي عليه أبداً دون
المقضي له والمعاملة واحدة في الإشكال، وقال الطحاوي ص (227) ، ج (2) : إن أحد الزوجين كاذب قطعاً ولا يمكن تعيين كذب أحدهما، فيحكم القاضي بحكم الثالث وهو التفريق، ثم قال الطحاوي: لا باطن للعقود والفسوخ بل الظاهر

الصفحة 432