كتاب العرف الشذي شرح سنن الترمذي (اسم الجزء: 2)
باب ما جاء في الساعة التي ترجى يوم الجمعة
[489] في الساعة المحمودة خمسة وأربعون قولاً، بعضها مذكورة في فتح الباري وأذكر هاهنا اثنين؛ قول الأحناف: أنها بعد العصر إلى غروب الشمس وهو مختار أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، والقول الثاني: أنها بعد الزوال من الخطبة إلى الفراغ عن صلاة الجمعة واختاره الشافعية، ورجح الزملكاني الشافعي القول الأول، وقيل إيراداً على الشافعية: أي وقت للدعاء بعد الزوال إلى الفراغ عن الصلاة؟ قالوا: يجوز عندنا الدعاء في سكتات الخطبة، وأيضاً يجوز عند الشافعية أي دعاء شاء من كلامه أو كلام الشارع، وفي الدعاء في الصلاة عندنا ضيق فإنها تفسد بدعاء يشبه كلام الناس، ودليل الشافعية رواية أبي موسى في مسلم ودليلنا رواية السنن من النسائي والترمذي، وقال أحمد: إن أكثر ذخيرة الحديث يدل على أنها بعد العصر إلى الغروب، ثم اختلفوا في الحديث، قيل بالتوفيق، وقيل بالترجيح، والأكثر من المرجحين، فرجح الشافعية رواية مسلم على رواية السنن، ورجح الحنابلة والأحناف رواية السنن وأن مرتبة أحمد أعلى من مرتبة مسلم، وأيضاً أعل أحمد رواية مسلم، ووجه العلة أنه مرسل عن أبي بردة بن أبي موسى، وذكر أبي موسى من الرواة وهمُ ثم إذا صار مرسلاً فيرجح المسند على المرسل، وبعض المحدثين يوفقون بين الروايتين منهم ابن قيم في الزاد وقال: كلا الوقتان مقبولان، ومنهم الشاه ولي الله رحمه الله في حجة الله البالغة وهو المختار، وأما وجه الرجحان لنا فهو أن صح أن خلق آدم بعد العصر كما في الروايات الصحيحة، وأيضاً في التوراة تصريح أنها بعد العصر إلى الغروب، وإن قيل: إن التوراة محرفة فكيف تصح أوجه الرجحان؟ أقول: إن في تحريف التوراة ثلاثة أقوال:
قال جماعة: إن التحريف المذكور في الآية تحريف معنوي ولا تحريف لفظاً أصلاً وهو مختار ابن عباس والبخاري والشاه ولي الله، ورواية ابن عباس أخرجها البخاري في آخر صحيحه، وقيل: إن التحريف اللفظي قليل واختاره الحافظ ابن تيمية وهو المختار، وقيل: إن التحريف كثير وكنت أزعم أنه وإن حرف بعض الأشقياء لفظاً ولكنه ليس بحيث لو سعى أحد أن يطلب النسخة الصحيحة على بسيط الأرض فلا يجدها بل لو أراد أحد أن يهيئ نسخة محفوظة يمكن له ذلك، ثم بعد مدة رأيت في بعض رسائل ابن تيمية تعيين ما كنت أزعم ثم تمسك على قلة التحريف بالآيات والأحاديث، ومن الآية: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ} [آل عمران: 93] فإنها لو كانت محرفة لما أمر الله نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول لهم بإتيان
الصفحة 6
448