كتاب السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (اسم الجزء: 2)

أمّا والده زيد بن محمَّد .. فقد حلاه والده - صلى الله عليه وسلم - بشي أنفس .. لقد زوّجه النبى - صلى الله عليه وسلم - من ابنة عمّته أميمة بنت عبد المطلب واسمها: زينب بنت جحش .. فكان الزواج دليلًا على حبّ - صلى الله عليه وسلم - لزيد .. وعلى تحطيمه - صلى الله عليه وسلم - لقيود الجاهلية التي كانت تعيق وتشوّه تناغم المجتمع الإِسلامي ومساواته وتآخيه .. فزيد في نظر المشركين لا يزال عبدًا .. لكنه عند المسلمين ابن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. وهو في نظر الوثنيين لا يستحق الزواج بزينب .. لا يستحق الزواج إلَّا بأمةٍ .. لكنه عند المؤمنين: حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وهو في عين النبى - صلى الله عليه وسلم - أمير من أمراء الإِسلام -وإن طعن من طعن في إمارته- قال - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو يتحدث عن أسامة بن زيد: (كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده) (¬1).
هذا هو زيد في عالم الإِسلام وميزانه .. أمّا أولئك الذين يرفضون ميزان الإِسلام ويصرّون على التطاول بأنسابهم فقد بشّرهم - صلى الله عليه وسلم - باحتقار شنيع لا يطيقونه .. قال - صلى الله عليه وسلم -: (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا -إنما هم فحم جهنم- أو ليكونّن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو: مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من التراب) (¬2) ولئن كان التراب أصلًا للجميع .. ولئن جعل الإِسلام زيدًا ابنًا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .. فقد توهج الإِسلام حتى امحت فيه الفوارق .. كل الفوارق .. فكانت هذه القصة .. التي امحى فيها كل شيء بين النبى - صلى الله عليه وسلم - وأحد الشباب الفقراء الذين لا يملكون مالًا ولا نسبًا .. ذاب كل شيء بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا
¬__________
(¬1) حديث صحيح رواه البخاري (4469).
(¬2) حديث صحيح انظر: صحيح الترمذى (3/ 254).

الصفحة 328