كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

فاوت بينهم في الفضل. فإن وصفناهم بما وصفهم الله تعالى فلا عيب علينا في ذلك. فأما المخايرة بين الأنبياء الذي ورد فيه النهي، فإنما يراد بذلك محاذات أهل الملك في تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم كاليهود تجادل في موسى، والنصارى تجادل في عيسى، وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهما.
أو المعنى في ذلك. إن هذه المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين مختلفين لم يؤمن أن يخرج كل واحد من المخايرين في تفضيل من يريد تفضيله إلا الازراء بالآخر، والتعيير منه، فيكفي بذلك.
فإذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل، فيقابل بينهما ليظهر له رجحان فليس هذا بنهي عنه، لأن الرسل إذا كانوا متفاضلين وكان الأفضل يوجب فضل حق، وكان الحق إذا وجب لا يهتدي إلى أدائه إلا بعد معرفته، ومعرفة مستحقيه، كانت إلى معرفة الأفضل حاجة، ووجب أن يكون الله تعالى دلالة. وطلب العلم المحتاج إليه من قبل إعلامه المنصوبة عليه ليس مما ينكر والله أعلم.
فإن قيل: لم لا فضلتم إبراهيم صلوات الله عليه لأنه خليل الرحمن، وقد علم أن الله يحب أولياءه كلهم، فالذي لا ينكر غيره أن يكون إنما خص إبراهيم باسم الخليل، لأنه أحب أوليائه إليه، ولأن الله عز وجل جعل نبينا صلى الله عليه وسلم تابعًا له، بقوله:} ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا {وليس التابع كالمتبوع، ولأن مكة حرم إبراهيم، والمدينة حرم نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة) ووجدنا المتبوع من حرم إبراهيم من الصبر والشجر مضمونًا بجزاء، والمتبوع في حرم النبي صلى الله عليه وسلم مضمون، فكان ذلك إمارة تشهد بفضل حرم إبراهيم. وفي طور ذلك وجوب أن يكون محرمه أفضل.
ولأنه روى في الصحيح. (أنكم محشورون عراة، فأول من يكن إبراهيم) وفي

الصفحة 118