كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

ذلك دليل على فضله وتقدمه، وإن أفضل ما يدعو به نبينا صلى الله عليه وسلم، أن نقول: اللهم صلى على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فإذا كان أقصى ما نسأل ربنا عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يلحقه إبراهيم فيصلي عليه كصلاته على إبراهيم، أفلا ذلكم دليل على فضل إبراهيم صلوات الله عليه.
فالجواب. أن الله عز وجل قد أخبر أنه اتخذ إبراهيم خليلا، ولم يخبر أنه اتخذ النبيين خليلا، فيكون ذلك حكمًا بتفضيله عليهم. إنما معنى ذلك ما أشار قوله عز وجل أن إبراهيم كان قانتًا لله، ولم يكن من المشركين شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.
وقيل: (إن إبراهيم عليه السلام إنما هداه الله إلى معرفته ووفقه الله لتوحيده، حتى كان الكفر طبق الأرض، ولم يكن في الدنيا نسمة تعرف الله عز وجل ويعترف به غيره واتخذ خليلا بأن جعله أهلاً لهدايته أولا، ثم بأن أمره ونهاه وظهرت منه الطاعة ثانيًا بأن ابتلاه، فوجد منه الصبر ثالثًا فكان يومئذ خليله، وأهل الأرض كلهم أعداءه، لأنه كان المطيع، والناس غيره عصاه.
فأما أن يقال: أنه اتخذه خليلا على الذي لا يشك في أنه كان يحبهم ويحبونه من عامة النبيين فلا يقال ذلك، لأن من خالف الخليل فهو عدوه. وقد علمنا أنه ليس في الأنبياء لله عدو، فصح أن اتخاذ إبراهيم خليلا ليس عليهم، وإنما هو على أعداء زمانه كما بينا، ويدل على ما قلت أن الأولياء كلهم يحبون الله ويحبهم، ودرجة المحبة فوق درجة الخلة، وكل حبيب خليل، وليس كل خليل حبيبًا، فكيف يجوز مع هذا أن يكون اتخاذ الله إبراهيم خليلا اتخاذه إياه خليلا على إخوانه مع النبيين بل الأشبه أن يكون ذلك على عناء، ولم يؤهل أحد منهم للهداية غيره. فهكذا ثم هدى به من أراد، فكان ذلك اتخاذ أباه خليلا والله أعلم.
وأما قوله جل وعز:} ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا {فإنما فيه أمره بإتباع ملة إبراهيم لا إتباع إبراهيم. وملة إبراهيم لم يلزم إتباعها لأجل إبراهيم لكن

الصفحة 119