كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

لأنها الحق الذي لا يتسع إنكاره، ولذلك كان يلزم إبراهيم، فكذلك يلزم غيره كما وصف الله عز وجل في هذه الآية التوحيد. بأنه ملة إبراهيم فكذلك أدخل معه غيره في آية أخرى، فقال:} شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى {لا يوجب أن يكون نبيًا صلى الله عليه وسلم تبعًا لموسى وعيسى فكذلك لا يوجب ما احتج به القائل أن يكون نبينا صلى الله عليه وسلم تبعًا لموسى وعيسى فكذلك لا يوجب ما احتج به القائل أن يكون نبينا تبعًا لإبراهيم صلى الله عليهما.
وأيضًا فإن المعارضة بإبراهيم عليه السلام تسليم لفضل نبيا صلى الله عليه وسلم على ما عدا إبراهيم. وقد ذكر الله عز وجل في كتابه نوحًا ثم قال:} وإن من شيعته لإبراهيم {فإذا جاز هذا المعارض تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على نوح فكيف يأبي تفضيله على من هو شيعة نوح وبالله التوفيق.
وأما المعارضة بالحرمين فلا يلزم، لأن مكة حرم الله تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرضين، وبذلك وردت الأخبار وجعلها مع ذلك موضع النسك وما عداه من الحرم فهو تحريم الدار للدار. ويحتمل أن يكون معنى إبراهيم حرم مكة، أن أمر البيت والحرم كان قد عفى ودرس. فلما أحياه الله تعالى على يدي إبراهيم بين على لسانه الحل والحرم. فأخذ الناس حكم الحرم عنه، لأن التحريم كان في ذلك الوقت. وأما تحريم المدينة، فإن كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن قبله، ولا المدينة أيضًا موضع نسك، واختلف الحرمان من هذا الوجه الذي قدره المعارض والله أعلم.
وأما أن أول من يكتسي إبراهيم، فقد ذكرت فيه ثلاثة أوجه فيما تقدم. وأما قولنا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. فلا يدل على ما قاله للسائل، لأن محمدًا لو كان في الفضل دون إبراهيم لما جاز لنا أن نقول. اللهم صلى على محمد كما صليت على إبراهيم، ولما كان ذلك مطلقًا، علمنا أنه ليس في الفضل دون إبراهيم.

الصفحة 120