كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

أثم كد ذلك كله فقال عز وجل:} وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا {فاعلمهم أن كل ما يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل فهو حرام عليهم، وليس بمملوك لهم من حياته وبعد وفاته، وكما لا يحل لهم أن يفعلوا في حياته ما يتأذى به، فكذلك ليس لهم أن يفعلوا بعد وفاته ما لو أعلم في حياته أنهم فاعلوه بعده، لتأذى به وشق عليه نحو تزوج نسائه من بعده. وهذا ليعلموا أنه لا رخصة لهم بحال من الأحوال في إيذائه وتعاطي ما يشق عليه، وإن إرضاءه وتعظيمه وبوحي من أبهته هو الملازم لهم والواجب عليهم، ليكونوا مؤمنين به كما يقولون وبالله التوفيق.
وقال عز وجل:} يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم {. والمعنى لا تقدموا قولاً أو فعلاً بين يدي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله فيما سبيله أن يأخذوه عنه من أمر دين أو دنيا، بل أخروا أقوالكم وأفعالكم إلى بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بما يراه. فإنكم إذا قدمتم بين يديه كنتم مقدمين بين يدي الله عز وجل إذا كان رسوله لا يقضي إلا عنه، واتقوا الله أي واحذروا عقابه بتقديمكم بين يدي رسول الله ومعاملته بما يوهم الاستخفاف به ومخالفة شيء مما يأمركم به عن الله بوحي متلو أو بوحي غير متلو.} إن الله سميع عليم {أي سميع لما تقدمونه بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، أو يأتونه اقتداء به وإتباعًا له عليهم بما يكون منكم من إجلاله أو خلاف ذلك، فهو يجريه بما سمعه ويعلمه منكم.
وروى في نزول هذه الآية آثار منها: إن ناسًا ذبحوا يوم النحر قبل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فكره ذلك.
ومنها أن رجلاً صام في يوم شك، فقالت عائشة رضي الله عنها: لا يفعل فإنهم كانوا يرون أن هذه الآية نزلت فيه. ومنها أن ذلك في القتال.
وقال الله عز وجل:} يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.

الصفحة 127