كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

فنهاهم الله عز وجل أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ويخرجوا عن مكالمته من خبر الاستماع إلى الجهر، لأن ذلك في العادات غض من المخاطب واستخفاف بقدره وضرب من الاستعلاء عليه، كما أن خفض الصوت تذلل ورعاية لحقه وإكبار لقدره. ثم حذرهم أشد التحذير من فعل ما نهاهم عنه، فقال:} أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون {وذلك بأن يستقر أحدهم أمر غده في نفسه فيقول: وماذا علي أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم لا أبلغ ما في نفسي فيختلط ويرفع صوته إلى صدا أن يعلن فيلزمه حكم الاستحقاق والتهاون برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكفر ويحبط عمله، وهو لما فيه غافل على أمره، ولا يشعر أنه كفر وحبط عمله. وهذا أبلغ ما يكون من الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الأمر بجميع ما ذكرنا مقبحات، والناس باسم الإيمان بينهما لهم به على أنهم إن كانوا مؤمنين فمن الإيمان أن يكونوا بهذه الصفات دون ما يخالفها والله أعلم.
ثم قال الله عز وجل:} إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم {فأخبر أن الذين يأتمرون ما أمروا به، وينهون مما نهوا عنه، هم قوم امتحن قلوبهم للتقوى، أن جعل الله ما أورد على قلوبهم من هذا الغرض اختبارًا لهما لتظهر منهم التقوى التي علم أنها هي التي تكون منهم إذا اختبروا، فيغفر لهم ما أسلفوه من رفع الأصوات وغيره من الذنوب، ويأجرهم أجرًا لا يشاكل ثواب أعمال الآدميين، لكنه يكون نعيمًا مقيمًا لا يزول ولا يبيد.
ثم قال الله عز وجل:} إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبوا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم والله غفور رحيم {فيسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بما أخبره من أن الذين يصيحون خارج منزله ولا يصبرون حتى يخرج إليهم إنما حملهم على ذلك جهلهم وقلة عقلهم وأكثرهم لا يهتدون، إلى ما يلزمهم من تعظيمك في حال مخاطبتك إلى أن يهدى إليه، وفيهم من لا يهتدي وإن هدى ولا يستنصرون. وإن يصروا فهذا يجمع تركة القوم وقسامة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم روى الأقرع بن حابس وعليه ومن جاء معهم، جاءوا شفعاء في أسارى بعيرهم

الصفحة 128