كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

الذين نادوه فقالوا: أخرج إلينا يا محمد، فنزلت هذه الآية وروى أن وفد بني تميم وهم يسمعون رجلاً منهم عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وغيرهم هم الذين نادوه والله أعلم. ولما وقع من هؤلاء ما وقع ونزل من هذه الآثار ما نزل، روى أنه كان إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ويكلمونه ويأمرهم بالسكينة والوقار عنده. وهذا والله أعلم غير محمول على الزهو والبذخ، ولكن في تعظيمه النبوة التي يرجع تعظيمها إلى الله عز وجل، وتركه أن يقتضي في حقها، فيكون مقتضيًا حق الله تعالى لا حق نفسه.
وروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال له لما نزلت هذه الآية: والذي بعثك بالحق لأكلمنك إلا كأخي السرار. وإن ثابت بن قيس بن شماس دخل بيته وقعد يبكي وقال: أخاف أن يكون قد حبط عملي، فإني رجل صيت، أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، فأخرجه وأعلمه أنه ليس منهم وبشره بالجنة، فقتل بعد ذلك شهيدًا.
وقال الله عز وجل:} إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فإذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم {فخرج المسلمون إذ كانوا معه على أمر جمعهم لأجله أن يفارقوه قبل أن يقضي ذلك الأمر إلا بإذنه.
وأخبر أن المؤمنين بالله ورسوله الذين يستأذنونه إذا عرض لهم ما يحوجهم إلى الذهاب فثبت أن استأذانهم إياه في مثل هذا الحال إيمان منهم. ومعلوم أن ذلك من جملة إجلاله وتهيبه وتوقيره، فصح أن كل ذلك إيمان بالحري، أن يكون كذلك إذا كانت استهانته واستخفافه كفرًا والله أعلم.
وقال الله عز وجل:} وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا}.

الصفحة 129