كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

وينصروا المظلوم ويأخذوا على يدي الظالم ويكفوه وهو الذي فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك ضياعًا فيشغلها، ويغزو فيغنم، فيأخذ من الغنيمة حقه، وهو الذي خلق الأدواء، والأدوية، وعلم المعالجات وهدى إليها وأباح التطبيب والقبول عن الأطباء، فأرسل الله صلى الله عليه وسلم وأذن لغيره بالرقية بل هو في الآكل بها. وحكي الله عن موسي صلى الله عليه وسلم أنه سقى لبنتي شعيب صلوات الله عليهما، ثم تولى إلى الظل فقال:} رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير {أي إني لما سقته لي من خير بما عرضتني إليه من العمل لمن تأجرني عليه فقير، فكان من أمره ما كان. ووجدنا من يخالفنا ويقول بقطع الأسباب، ويزعم أنه إذا نزلت به حاجة لم يتسبب إلى نجاحها بشيء سوى أن يصير متوكلاً على الله تعالى متوقعًا منه أن يظفره بحاجته لأن السبب قد لا ينجح، وهو يعلم أن بصبره قد يخلف فلا ينجح، كما أن تسبب المسبب قد يخلف فلا ينفع. ألم تر لقوله من هذا الوجه رجحانا على خلافه، ولكن وجدنا المتسبب أبين عددًا من غيره، لأنه أن يصدر باحتباس حاجته بعد أن يسبب إليها بأقصى ما قدر عليه، فلم يجز مع ذلك أن يوصف بجر الضرر إلى نفسه. فالمتجرد الصبر إذا تضرر باحتباس حاجته عنه لم يأمن أنه لو ترك التصبر إلى التسبب لم يلحقه الضرر الذي لحقه فعلمنا أنه يترك التسبب مخاطر، ووجدنا المتسبب جامعًا بين السبب المأمور أو المأذون فيه. وبين التوكل في نسبه، وذلك منه طاعة، ولزم الحجة وختم التوكل إليها، المتصبر المعرض عن الأسباب راد للسبل المشروعة على الله جل جلاله بالغيث، بزعمه أنها قد تنجح وقد لا تنجح، ومقتصرًا على التصبر الذي يلزمه ما أكرم غيره في التسبب، فعلمنا أن المتسبب المتوكل في تسببه أثقل حالاً من المتصبر الرافض لما جعل له من الأسباب.
وأن ضايقنا القوم قلنا لهم: تركهم الأسباب معتلين بأنها قد تخلف، فلا ينجح متهمين لله جل ثناؤه في الأسباب التي سببها لهم، وغير معولين في التعلق بها على فضله، مفوضين أمره إلى تدبيره. وما أبعد ما بين المتهم بربه وبين المتوكل عليه. فإن كان من يرى هذا الرأي يجوز أن يسمى متوكلاً، فإنما ذلك كتسمية المهلكة مفازة، والحبشي أبا البيضاء وإلا فلا توكل بالحقيقة منه، وأما غيرهم، فإنه إذا لم يقتصر على مجرد التصبر لم يفعل ذلك،

الصفحة 14