كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

قيل: معنى ذلك أن المؤمنين الاتقياء من قرابته هم آله. فأما الكفار فليسوا من آله، لقطع الله الولاية بين المسلمين والكافرين، ولم يرد بذلك إن كل مؤمن تقي فهو آله، قريبًا من كان منه أو أجنبيًا، فإنه لو كان كذلك لكان كل مؤمن به من الأمم الخالية مع أنبيائنا عليهم السلام من (آله). وفي استحالة ذلك مع ما بيناه وفيما تقدم، من إن الاسم الأول الخصوص دون العموم، دليل على أن معنى ما قلت والله أعلم.
فإن قيل: قد أخبر الله عز وجل إن نوحًا عليه السلام لما قال له} إن ابني من أهلي {} قال يا نوح، إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح {. فأخبر أن يخرجوه من جعله أهله، وإن كان ابنه. فدل ذلك على إن صلاح المؤمن بالنبي يدخله في جملة أهله وإن لم يكن من ذوي نسبه.
فالجواب: إن معنى قوله "إنه ليس من أهلك" أي أهلك الذين أمرتهم أن تحملهم في السفينة ليسلموا من الغرق لأنه كافر وأنت مسلم، لا لأنه ليس من أهلك أصلاً. وعلى هذا يتأول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهله من هم على أنه أراد من آلك الذين أمرتنا أن نصلي عليهم معك، فقال: (كل مؤمن تقي من قرابتي) لأنهم كانوا غرباء لا يجهلون اللسان فلم يكن يخفي عليهم من الآل. وإنما كان الحكم هو الذي أشكل، وإليه ينبغي أن يصر سواهم. وجواب النبي صلى الله عليه وسلم إنما سألوا عن مستحقي الصلاة عليهم، بأنهم آل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كل مؤمن تقي) ممن يقع عليه في اللسان اسم الآل. وهم القرابة، فخرج غير الأنبياء من حكم الآل لا من اسمه، كما أن ابن الكافر أو القاتل وإن خرج من حكم الإرث بكفره أو عقوقه، فإن اسم الابن لا يزايله والله أعلم.
وجواب آخر: وهو أنه قد قيل: إن الذي دعاه نوح ابنه لم ابنه، فإنما كانت امرأته خائنة بادخاله عليه من غيره وهو لا يشعر، وكان مع ذلك كافرًا. فلذلك قال الله عز وجل: "أنه ليس من أهلك"، أي لا صلة بينه وبينك. فإنه أجنبي منك، وهو مع ذلك كافر، فلا تسألن ما ليس لك به علم، وبالله التوفيق.

الصفحة 142