كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

للمؤمنين أن يتوقعوا النصر إلا من عند الله تعالى، ولا أن يخافوا الخذلان إلا من جهته وأن يطيعوا فيما يأمرهم به من القتال إذا عرض، فيقاتلوا أعداء الله متوكلين مفوضين أمر النصر إليه. وفي هذا حث على التسبب لكن بشرط التوكل إلى الأمر بقطع الأسباب والاقتصار على الصبر وحسن الظن، إذ لو كان لذلك لم يفرض القتال ولم يأمر به} والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا {. فإنه نزل في المنافقين.
وقد كان الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقبل منهم ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى. فأمره في هذه الآية أن يعرض عنهم ولا يعاتبهم على ما يقولون إذا خرجوا من عنده، بخلاف ما كانوا يقولونه إذا حضروه، وأن يتوكل على الله في الإعراض.
ولسنا ننكر أن يكون التعبير والإمساك واجبين أو مستحبين، أو كان الأمر واقعا بهما، وإنما ننكر ذلك حيث جعل الله تعالى للناس إليه به إلى تغيير الحال ودفع ما يكرهون والتوصل إلى ما يريدون بشرط التوكل فيما يباشرونه من ذلك السبب، وهذا لم يقم في خلافه دليل، بل يقام عليه عينه، وهو أن الله عز وجل لما فرض الهجرة على نبيه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولم يأمره أن يتصبر بمكة، متوكلاً على حسن دفاعه، والميل بقلوب الناس إليه، ولم يكن ذلك بعد ذلك إلى أن يثبت فيها متصبرًا بل لزمه أن يفارقها متوكلاً على الله في مفارقته. ولا خلاف بين المسلمين في أن امرأة لو أسلمت في دار الحرب وأمكنها أن تهاجر بلا فتنة تخاف على نفسها، فإن عليها أن تهاجر، ولا يكون لها أن تقيم متوكلة برحمها بل يلزمها أن تهاجر وتتوكل على الله تعالى في هجرتها. وأجمعوا على أن رجلاً لو طلبه حربي أو سلطان جائر، أو فتاك داعر، لم يكن له أن يقعد برصد أو يتعرض له وحده بلا سلاح ولا آلة، وإن فعل ذلك ومعه جماعة يعينونه حل ذلك له إذ كان مع ما وصفنا متوكلاً على الله تعالى في إعانته وإعانة الذي معه على ما يريده بظلم فإن رجلاً لو وضع ماله في صحن داره وترك الباب مفتوحا أو على الباب للنهب والفتنة، فدخل داخل داره، وأخذ ماله كان مضيعا لماله، ولو كان ذلك وديعة لغيره عنده يضمنه، ولم يكن في شيء مما ذكرنا متوكل.

الصفحة 16