كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

له: {فلا تبتئس بما كانوا يفعلون {. فتوكل على الله في صبره، ووثق بأنه لا يخلفه وعده. وقال لقومه:} فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة. ثم افضوا إلي ولا تنظرون {وكذلك هود صلوات الله عليه إنما قال لقومه:} فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم {الآية، لم يكن مأمورًا بأكثر من مصابرتهم، ولعل الله تعالى كان أخبره أنه يعصمه ويشفي منهم صدره، فلذلك اقتصر على الصبر، ولو كان واحد من النبيين صلوات الله عليهم مأمورًا بالقتال أو الهجرة، لما حل له أن يلزم الصبر، وإن أضمر التوكل بأن كان لا يسعه إلا أن يفعل ما أمر به ويتوكل كما بينا والله أعلم.
وقصة يعقوب صلوات الله عليه دليل بين على هذا، فإنه قال لبنيه:} لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة، وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت .. {فنهج لهم من الاحتراز في العين نهجًا وأمرهم به، ثم توكل على الله في دفع ما خاف عليهم ولم يفرد التوكل عن بعض وجوه الاحتراز التي وصفها الله تعالى. فدل على صحة ما قلنا.
ويدل على هذا أيضًا أن الله تبارك وتعالى أخبر عن موسى صلوات الله عليه أنه قال لقومه:} ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما، ادخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين {فأثنى الله على الذي قالوا هذا، واقتصه علينا إشارة لما كان منهما على أن مجرد التوكل لا يعني إذا كان التسبب المباح أو المفروض لا مجردًا عنه والله أعلم.
ويدل على ما قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين ولبس المغفر يوم دخول مكة، ولا يخلو ذلك قبل نزول قوله تعالى:} والله يعصمك من الناس} أو بعده.

الصفحة 18