كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

فإن كان ذلك قبله فقد احتاط وتوكل وانتهى إلى ما بينه الله تعالى للناس وجعله لهم سبيل التحصين والاحتراز، حيث قال في قصة داود صلوات الله عليه:} وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون {ولم يبرز للقتال مكتشفًا متوكلاً وإن كان ذلك بعد نزول العصمة، فلقد تأول أن الله تعالى قد أخبره أنه يعصمه، ولم يخبره بماذا يعصمه، وأنه آتاه درعين والمغفر ومكنه من لبسهما فلا يحتاج أن يلقى العدو بارزًا متجردًا، فذاك من عصمته له فليعتصم.
فهكذا ينبغي لمن أوجب الله تعالى في مال غيره الكفاية وابتلاه بالحاجة أن يعلم أن ذلك كفاية من الله تعالى إياه فليكتف بها، وليتعرض لها دون أن يلزم مكانه ولا يعلم أحدًا بحاله، ويزعم أنه متوكل. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما ظاهر بين درعين ولبس المغفر لأن الله تعالى أخبره أنه يعصمه من الناس على أثر قوله} بلغ ما أنزل إليك من ربك {فكان الظاهر أنه وعده العصمة بما يمنعه من التبليغ وهو القتل والأخذ والحبس ولم يدخل في جملته الجرح والكسر، متحصن ما لم يستيقن العصمة منه ولم يخل في تحصنه من ذلك مما بينه الله تعالى ووصفه لمثله، في مثل ما نزل به من الأوضاع المعروفة المعهودة، وليتوكل في تحصنه بها. فأما تجريد المتوكل عن السبب بإثبات الله تعالى فخلاف ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
فصل
وإن سأل سائل عما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (الطيرة شرك وما منا إلا يجده، لكن الله تعالى يذهبه بالتوكل) وقوله مع ذلك (فر من المجذوم فرارك من الأسد) وقوله: (الشؤم في ثلاثة: المرأة والدار والفرس) ونهيه الرجل أن يسمى عنده يسار

الصفحة 19