كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

يزيدوا على أن الجرب قد يعدي، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليدفعهم عن هذا بأن يقول: (ما أجرب الأول)، لأنهم كانوا يقولون: لم ينكر حدوث الجرب من غيره عدوى، وإنما قلنا: قد يعدي. فثبت أنه صلى الله عليه وسلم، إنما وجه هذه الحجة على من قال: إن الجرب كله عدوى، والله أعلم.
وقد يجوز أن يكون قوله: (لا عدوى) نحو قوله في تلقيح إناث النخيل، فلما أمسك الناس عنه ولم تحمل النخيل في تلك السنة إلا شيئًا ضعيفًا، قال لهم: (ما أمرتكم به من أمر دينكم فخذوه، وما أمرتكم به من أمر دنياكم فأنتم أعلم به). أو كلامًا هذا معناه. فرجع الناس إلى تلقيح نخيلهم، ورجعت النخيل إلى حملها.
فقد يجوز أن يكون قال: (لا عدوى أشد) ربما أعدى الأول. فلما تبين له أن ذلك قد يكون قال: (لا يوردن ذو عاهة على مصح) وإنما قلنا هذا لأن إنكاره العدوى بما يتصل بأحكام الدين، ولكنه إنكار طبع ووضع، فهو أشبه بإنكار تلقيح النخيل.
فإن قيل: إنما قال: (لا يوردن ذو عاهة على مصح) كي أن جربت الإبل لم يقل صاحبها أعدى الجرب إلى إبلي من ذي العاهة فيأثم.
قيل: إن للناس في ضم الإبل إلى الإبل فوائد وإغراضًا، وأراد هذا المعنى، لأن في الإيراد نهي عن هذا القول، فلما نهي عن الإيراد، بأن أنه خاف العدوى والله أعلم.
فإن قيل: كيف تكون العدوى؟ قيل: بأن تخلص رائحة البدن المريض إلى البدن الصحيح، فيتغير نجبها طبع اللحم والدم، كما يتغير طبع الماء من جيفه تقربه إذا علقت به رائحتها. بأن يماس البدنان حتى يشحن أحدهما بالأخرى كما أن صفة العدوى أشد لأن الرائحة في هذه الحال تكون أشد وصولاً إلى عمق البدن. ويضم إليها من حرارة البدن السقيم، فإذا تركت في البدن الصحيح انتقل إليه بانتقالها طبع المكان الذي كانت فيه، ويدل على صحة ذلك ما روي فروة بن مسيل، قال: قلت يا رسول الله أن عندنا أرض ولكنها شديدة الوباء، فقال (دعها فإن من القرف التلف) فقيل أن القرف الخلط،

الصفحة 23