كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

وقيل الملازمة والمقاربة وهذا والله أعلم إشارة إلى ما قلت وبالله التوفيق.
فإن قيل: لم جاز خوف العدوى وهو خلاف التوكل، ولم لا قلتم: إن سئل الناس أصحاؤهم ومرضاهم أن يتخالطوا ويتواكلوا ويتشاربوا، متوكلين على الله، ظانين أن بعضهم لا يضر بعضًا، لئلا يصير سقم السقيم من ذلك في نفسه حرج أو لا وحشة هذا، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة، فقال: (كل بسم الله ثقة بالله وتوكلاً على الله) فثبت أن التوقي من المجذوم خيفة العدوى غير جائز.
فالجواب: أن التخالط والتعاشر حق المسلمين بعضهم على بعض ما لم يمنع أحدهم من ذلك مانع، وخوف الضرر من أعظم الموانع. وفي معايشة المجذوم ومن يشبهه، ومطاعمته خوف الضرر، فدل ذلك على أنه لا يستحق على غيره من الأصحاء، أن يداخلوه أو يخالطوه مداخلة من الإلفة به، ولا مخالطته، وليس التعرض للآفات من التوكل بسبيل إنما التوكل طريق إلى الاحتراز من الضرر، فكيف يكون التعرض للضرر توكلاً؟ أرأيت رجلاً اقتحم نارًا تتأجج أو ألقى نفسه في البحر إلى غمران اللجج وقال توكلت على الله أيكون قد وضع التوكل موضعه أو يكون قد ظلم نفسه؟ فلذلك يعرض لعدوى علة خبيثة متوكلاً عند نفسه فهذا حاله ومنزلته. فأما ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المجذوم، فإن كان له أصل فقد يحتمل أن يكون فعل ذلك به استشفاء من الله تعالى بالإصابة من طعام بينه واجتماع يدة في القصعة مع يده حتى أخذها منه وأدخلها. ألا ترى أنه قال: (كل بسم الله ثقة بالله وتوكلاً على الله) راجيًا أن يستقبل ولم يزد به إني آكل معه وأضم يدي إلى يده ثقة بالله أن لا يضرني، فإنه لم يرد في الحديث. إن النبي صلى الله عليه وسلم أكل معه. وقد يجوز أن يكون أطعمه من طعامه وأدخل يده أثبته رجاء أن يعرفه الله تعالى من تركته أن يشفيه ولم يطعم معه، وإن كان قد طعم فلأنه إذا كان يرجو من يطاعمه الرجل إياه أن يشفى استحال أن يخشى على نفسه منه العدوى. فأما من دونه فلا يخلو من خوف الضرر مهما لابس عليلاً وصاحب عاهة، فكان توكله في أن يباعدهم راجيًا في مباعدته فضل الله تعالى بأن يعيده مما يهم فيقول مع ذلك ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (من رأى صاحب

الصفحة 24