كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

بلاء فليقل الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً) والله أعلم.
وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه أن يسمى يسارًا ورباحًا واملح ونجاحًا، لئلا يقال: أفلان هاهنا؟ فيقال: لا، فليس أيضًا من معاني التطير وإنما هو كراهية للكلمة القبيحة نفسها لا لخوف شيء وراءها كالرجل يسمع حباء أو نداء أو هزوًا أو لغوًا ما كان فيكرهه. وإن لم يخف على نفسه منه شيئًا، فأما الفأل الحسن الذي كان يعجبه، والفرق بينه وبين الشؤم، إن الشؤم سوء الظن بالله عز وجل من غير سبب ظاهر يرجع الظن إليه، ويبني في الحقيقة عليه. والتيمن بالفأل الحسن حسن الظن بالله تعالى وتعليق حسن الأصل به وذلك بالإطلاق محمود. فأما إساءة الظن به عز اسمه من غير إمارة ظاهرة وسبب معروف فمذمومة فرق ما بينهما وبالله التوفيق.
فإن عارض معارض في الطيرة بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يصلي على جنازة، فجاءت امرأة معها مجمر فما زال يصيح بها حتى توارت بآجام المدينة، فهل إلا التطير للميت بالنار؟
فالجواب: أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطير له بالنار، ولكنه بفأل تصرفهم عنه أن صاح بها فانصرفت وتوارت وأمل من الله تعالى أن يصرف النار عنه في الآخرة بدعائه كما صرفها عنه في الدنيا بندائه والله أعلم.
وله وجه آخر غير هذا. وهو أن هذا ليس من الطيره إنما الطيرة أن يعيذ بما يعيذ بما يرى أو يسمع مثلا بمكروه ولا يناسب بينه وبين المرئي أو المسموع، ولا يعلق له به.
فأما المجذوم نفسه يعاين في حال الإشفاق منه، أو ما يشبهه فيكره هذا غير الطيرة فإن رجلاً لو خرج من منزله يريد سفرًا، فرأى دابة أريد ركوبها أو الحمل عليها، فهربت راجعة إلى أربها، فقال: هذا يدل على أن خرجت احتجت إلى أن أولى هاربًا لم يكن هاربًا لم يكن هذا من الاستدلال الذي يجوز أن يعمل به، لأنه ليس في هرب الدابة هذه الدلالة، ولا هربها كان أبصرته وإنما كان لانف المكان.
ولكنه لو خرج فرأى واحدًا كان مسافرًا إلى البلد الذي يريده لمثل غرضه، فمات،

الصفحة 25