كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

فرد إلى بيته، فكره ما رأى وخطر بقلبه منه شيء لم يلم على هذا، لأن الذي رآه عين المحذور ونفس المظنون. والناس في طبائعهم متقاربون، والأسفار سبب للمشاق والحوادث، والأهوبة والبلدان والمياه مختلفة، فقد يوافق بعضها قومًا، ولا يوافق غيرهم. فإن خشي الذي ذكرناه أن يصيبه في سفره ما أصاب مثله لم يكن مبعدًا في ظنه. فكذلك الميت ليس يخشى عليه إلا النار. والنيران كلها متناسبة، فإذا اتبع النار نفسها كان ذلك مما ينبغي أن يكره، وما يعرض في القلب من ذلك يتوافق لما جبلت القلوب عليه، فلا يستحق به ملام ولا عتب والله أعلم ومن هذا الباب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الشكال في الخيل، وذلك أن تكون ثلاث من قوام الفرس محجلة، وواحدة مطلقة كسائر البدن. وذلك إنما كان بهذه الصفة كأنه المشكول والمشكول لا يستطيع المشي، فكانت مشاهدة هذه الصفات كمشاهدة الشكال، وكرهت ما يكره الشكال إلا في وقته وحينه، حتى إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهية.
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأحد أصحابه: (إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسًا كميتا أقرح أرتم محجل الثلاث مطلق اليمنى فإنك بغزو أو سلم). وفي حديث آخر. (أغر محجلاً)، وفي حديث آخر. (فإن لم يكن كميت فأدهم) على هذه الصفة، وفرق بينهما أن البياض إذا كان في ثلاث قوائم وحدها فذاك شكال فكره، لأن الشكال يمنع الدابة من الجري، وإذا كان معه في الوجه والشفة كما يكون في القوائم ارتفع شبه الشكال كان كأنه رفع الشكال. فلهذا قال: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن والله أعلم.
وقد يجوز أن يكون المشكول من الخيل التحجيل جرب، فلم يوجد فيه بلاء فلذلك أكرهه، وأن يكون الاقرح والاريم المحجل بثلاث المطلق اليمنى جرب فوجد فيه عند الطلب والهرب بلا ظاهر، فلذلك خمد وفارق ذلك التطير، لأن كل واحدة من هاتين الصفتين مركبة في الدابة، فقد يجوز أن يختلف حالها في قلة البلاء وكبره، لاختلاف

الصفحة 26