كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

هذا عنه صلى الله عليه وسلم بغير هذا اللفظ. (عليكم بألبان البقر فإنها ترتم من كل شجر ليس من الحار والبارد والرطب واليابس، فيقرت ألبانها بذلك من الاعتدال) ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في البقر: (ألبانها شفاء وسمنها دواء ولحومها داء) ويحتمل أن يكون قال ذلك، لأن الأغلب عليها البرد واليبس، وكانت تلك البلاد شقة يابسة، فلم يأمن إذا انضم إلى ذلك الهواء أكل لحم البقر أن يزيدهم يبسًا فيتضرروا به. وإما ألبانها فرطبة، وسمنها بارد جيدًا. ففي كل واحد منهما الشفاء من ضرر والله أعلم.
وعنه صلى الله عليه وسلم. (الحمى من فيح جهنم، فأبردها بالماء) وفي بعض الروايات. (أن شدة الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء البارد) وهذا يحتمل أن يكون المراد به سقي المحموم من الماء البارد ما تنطفئ به حرارته الزائدة، وليسكن عليك عطشه في صبه عليه أو سقيه بالغداة على الريق ماء باردًا، فإنه لم يكن بحضرتهم إلا بشربه النافعة من الحميات، فأمرهم أن لا يهملوا العليل ويتعهدوا بالماء البارد أن لم يجدوا غيره والله أعلم، لمن كان أمر بصب الماء البارد على المحموم فيزيد والله أعلم لأن سبب الحمى كان حرارة من خارج وهو حرارة الهواء، فأمر بصب الماء البارد عليه إلا في حال هيجان الحمى لكن بعد مفارقتها البدن أروح الأوقات، ليكشف جلودهم ويصلب أعصارهم فلا يخلخلها حتى الهواء، ولا تخلص إلى بواطن أجسامهم.
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن أصحابه قدموا خيبر، فأكلوا التمر فحموا، فأمرهم أن يفرشوا المساء في البستان، أي يبردوها - ثم يفيضوها عليهم ما بين أذان الصبح، ففعلوا ثم راحوا كما انشطوا من عقال. وهذا لأن اغتذاء التمر وحده لم يكن يضرهم ولكن الحرارتين إذا اجتمعتا، التمر من داخل والهواء الحار من الخارج حدثت الحمى، فأمر أن يتعالجوا بالماء البارد، وأن يصبوا على أبدانهم في أرواح الأوقات لتصلب بشرتهم فلا يبقى فيها حر لهم. فإن حر التمر إذا تجرد عن حر الهواء لم يهج حمى، إذا كان ذلك غذاؤهم المعتاد والله أعلم.

الصفحة 31