كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

وأما إضافته صلى الله عليه وسلم الحس إلى فيح جهنم، فإشارة إلى حدوثها من حر الشمس وسخونتها بالنار المحيطة بالعالم الكاتبة يوم القيامة محابسة العصاة وقد مضى ذلك في بعض الأبواب المتقدمة والله أعلم.
وعنه صلى الله عليه وسلم. (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، فإن الله تعالى يطعمهم ويسقيهم) أي أن المرض الذي يمنع من الطعام والشراب واقع من الله تعالى فسلموا الأمر ولا تكرهوا المريض على الطعام والشراب فتكونوا قد عارضتم الله تعالى في أمره.
فإن قيل: فلا ينبغي على هذا الطعام المحتاج وقد قال قوم من الكفار، فحكي الله تعالى عنهم أنهم قالوا: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه!
قيل: المريض أبطل الله تعالى بالمرض حاجته إلى الطعام والشراب اللذين كان يحتاج إليهما في صحته، فإذا أكره على الطعام والشراب، وطعمه لا يحتملهما أضر ذلك به. والفقير محتاج إلى الطعام والشراب محتمل لهما، ولكنه لا يجدهما، وإذا لم يواس بهما هلك، فوجبت المواساة لكيلا يهلك، كما وجب الكف عن إكراه المريض عليهما لئلا يهلك. فالمقصود في الناس دفع الضرر إلا أن الفقير محتاج غير واحد، فدفع الضرر عنه يكون بالإطعام، والمريض غير محتاج وطعمه غير محتمل، فدفع الضرر عنه يكون بالكف عنه. والله أعلم.
وعنه صلوات الله عليه أن رجلاً رمي فأجفن، فدعا له رجلين من بني انمار، فقال: (أيكما أطب؟ فقال أحمدهما؛ أو في الطب خير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنزل الدواء من أنزل الداء، فقال أحدهما: أنا أطب فأمره فعالجه فبرأ). وعنه صلى الله عليه وسلم. (أن هذا الوباء رجز عذب الله به بعض الأمم ممن كان قبلكم، فإذا سمعتم بها فلا تأتوها) فيقول في هذا الحديث -والله الموفق- إذا وقع الوباء بأرض فلا ينبغي لمن لم يكن بها أن يأتها لأنه بذلك يتعرض للبلاء، وذلك مخالفًا، وذلك لما يلزم كل أحد من حبس الظن لنفسه. وأما من كان بها فلا يخرج منها، وفي بعض الروايات. ولا تخرجوا فرارًا منها. فقد يحتمل أن يقال: أنه إذا بدا له الخروج لحاجة عرضت له، أو لأنه كان قدمها لحاجة

الصفحة 32