كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

وأما إذا كانت القلة حادثة في البلد، فقد يخش من الانتقال عنه إلى ما يخالفه جميع ما ذكرنا، كما يخش من الانتقال من بيت شديد الحر إلى هواء شديد البرد الضرر، ويخش أيضًا من الانتقال من بيت شديد البرد إلى هواء شديد الحر مثل ذلك، ولهذه العلة لم ينقل الله تعالى خلقه من الصيف إلى الشتاء إلا بربيع جعله بينهما، فيكون انتقالهم عما كانوا فيه قليلا قليلا، وشيئًا فشيئًا. فكذلك ينبغي أن يكون الانتقال من أرض مخالفة الاعتدال إلى غيرها، فيكون الضرر مأمونًا والله أعلم وبه التوفيق للصواب.
وعنه صلى الله عليه وسلم. (أن أحدكم يشك إليه وجعًا في رجله إلا قال له أخضبها) يعني أحمل عليها الحناء. وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهي عن الدواء الخبيث، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما أبالي ما أتيت أو شربت ترياقًا وعلقت تميمه، أو قلت شعرًا من قبل نفسي). فقد يحتمل أن الدواء الخبيث هو النجس، كان من قبل ما يخلط به من لحوم الأفاعي أو كبد الذئب أو رماد العقارب، ونحو ذلك. ونقول. أن كل محرم لا يحل شربه إلا عند ضرورة يشهد طبيب عالم عدل من المسلمين أنه لا مدفع لها، إلا بأخذ ما ذكرت، فيحل منه قدر ما يدفع به الضرر ضرورة كالميتة لمن اضطر في مخمصة والله أعلم.
وإنما قال (أوقلت شعرًا من نفسي) لأنه ضرب نفسه مثلاً لغيره، وأراد أن من شرب ترياقًا أو علق تميمة أو قال شعرًا من قبل نفسه فيما يبالي بما أتى بعد ذلك، كما قال جل ثناؤه فيما خاطبه.} وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف {فجعله مثلاً لغيره، وإلا فمعلوم أن أبويه عند نزوله كانا متعرضين. وقال في سورة الكهف:} وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين {وهو عليه السلام ما كان يرى كهفهم، ولكنه جعله مثلاً لغيره. والمعنى وترى كهفهم من ينظر إليهم بهذه الصفة، أو ترى لو كنت تنظر إليهم كذلك المعنى في قوله (أو قلت شعرًا) أي لو كنت أحسنه، وإن قال ذلك من يحسنه والله أعلم.

الصفحة 34