كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

وقال شعيب السمان، قلت لطاووس: إني صحبت قومًا إلى مكة ورأيت في أخلاقهم سوءًا، فجعل الرجل يلقاني فيقول: كيف وجدت صحبة رفقاتك! أخبر عنهم، فقال: لا تخبر عنهم، وقال عمرو بن العاص لقومه: ليس الواصل من فضله من وصله، ويقطع من قطعه قالوا: وما ذاك؟ قال: ذاك المنصف. إنما الواصل من يصل من وصله ويعطف على من قطعه. وليس الحكيم الذي يحلم عن قومه ما حملوا عنه، فإذا جهلوا عليه جاهلهم، إنما ذاك المنصف. إنما الحليم من يحلم عن قومه ما حملوا عنه، فإذا جهلوا عليه حلم عليهم. وأولى من هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: (ألا أدلكم على أفضل مكارم الأخلاق، قالوا: بلى. قال: أن تعفوا عمن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك) ومما يؤثر عن عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال: ليس الإحسان إن تحسن إلى من أحسن إليك، إنما ذلك مكافئًا المعروف، ولكن الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك.
وسئل ابن عباس وسعيد بن المسيب عن المدين هل له حج أم لا؟ قال: نعم، حج حسن جميل إذا اتقى الله وأدى الأمانة وأحسن إلى أصحابه. وإذا أراد السفر أن يترافقوا فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأصحاب الرفقة، فإن لم يريدوا عليها كان ذلك أمكن لأسلافهم، وإن وافق الرجل غير قومه ما لم يكن في ذلك قطع رحم فهو خير).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغزو مع غير قومك يحسن خلقك، وتكرم على رفقائك).
وقال الحسن رحمه الله: لا تصحبن من يكرم عليك في السفر، فإن السفر يفرق بينك وبينه، وقيل لعون بن عبد الله: مالك لا تصحب فلانًا؟ قال: لنا أخلاق نكره أن نختبرها بقضاء من بعض، وإذا بلغ السفر ثلاثًا فصاعدًا، فينبغي لهم أن يؤمروا على أنفسهم أحدهم، فيسيرون إذا سار، وينزلون إذا نزل، ويتحرى لهم موضع نزولهم. فيقبلون منه. وإذا رأى أن يسير الليل دون النهار، والنهار دون الليل لم يخالفوه، وإذا نزل للصلاة نزلوا بنزوله، وإذا رأي تقديمها للجمع أو تأخيرها اتبعوه.

الصفحة 431