كما يعطي القوم في العلانية، ثم يأتي بمثله في السر. فأقول: يا أبا سعيد، هؤلاء المتبقون قوم مناكير. فيقول خذها أيها الرجل.
وروى أن ابن عون كان في سفر، فقال: إذا أنفق كل واحد منكم على حدة فلم ير ذلك، فليخرج كل واحد منكم ما استطاع، ودليل ذلك رجل وأحب أن أكون ذلك الرجل. فقالوا: نعم. فأخرجوا ودفعوا إليه فجعل ينفق عليهم في سفره حتى أنفق عليهم مالاً من مال نفسه. فجعلوا يقولون يا أبا عون، فتقول الجماعة: فيها بركة، فلما انصرفوا استوي لكل إنسان منهم هديته، فدفعها إليه.
وقال قتادة: أردت الخروج في سفر، فجاءني ابن عون، ومعه حماد بن يزيد فسلم علي وقال: أحفظ عني خلتين: عليك بحسن الخلق والبدل، ولا ينبغي السفر أن يعلقوا الأجراس في أعناق دوابهم، ولا أن يصحبوا (الكلاب) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس).
وينبغي لهم إذا سافروا أن يرتفقوا بدوابهم ولا يحملوها فوق الطاقة شيئًا، ويعلفوها ويسقوها. فإن كان السير في الحرب، وكان في إسراع السير عليها تخليصها والتخليص عليها، فلا بأس بالإسراع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الظهر حقها). وفي بعض الروايات (واعطوا الركب اشتانها) أي مكنونها، من اشتهاء والاشتان جمع لبان، أي دعوها ترتع. وقيل: هو حسن اللبان، وهو مثل ضرب الشحم واللحم، فإنها بكمالها تقوى على السير، فجعلهما لها بمنزلة السنان للمقاتل.
وفي حديث آخر: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خصبت الأرض فأعطوا الظهر حقه، وإذا جدبت فانجوا عليها بنقيها) وإن لم يمنعهم من السير مانع فهو أولى، وإن سمعوا فيه صوتًا لا يعرفونه فليؤذنوا، وإذا أرادوا النزول ليلاً لنومة يتحممون بها،