دخول مكة. قال الله تعالى: {وأذن في الحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}.
فذكر الرجل قبل الراكب. وقال الله عز وجل: {فاسعوا إلى ذكر الله}. ولا خلاف في أن المشي أخضع وأخشع من الركوب. فدل ذلك أنه أفضل فقال قائل: الركوب أفضل لأنه يستعمل به بدنه وماله، وليس في المشي إلا عمل البدن.
والجواب: أنه يقدر على ما يستعمله من ماله إذا ركب، بتركه من استعمال بدنه. واستعمال البدن أفضل من استعمال المال. وقال ابن عباس: أنه يحرج في نفسي أن أموت قبل أن أحج ماشيًا، وذكر مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل رضي الله عنهما حجا ماشيين، يراد بذلك خروجهما إلى عرفة، وافاضتهما منها إلى مكة. وقال حفص بن محمد عن أبيه: حج الحسين بن علي ماشيًا وبجانبه معاذ، وحج سعيد بن جبير ماشيًا. وإذا خرج الناس يريدون البيت الحرام. فسئل: ماذا أردت. فقال أنس بن مالك قال: لا تقل إني حاج حتى تهل وقل: إني مسافر.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من أراد هذا الوجه، فلا يقل إني حاج حتى تهل، إنما الحاج المحرم. وليقل إني وافد. ومن كان الطريق بينه وبين مكة بعيدًا، فليخرج في سعة من الوقت، وليمهل في السير. ولا يفر بالرواحل. ومن كان بينه وبينها قريبًا فهو بالخيارين: أن يقصدها متمهلاً، وبين أن يتعجل إليها بطن الراحل.
ومعنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (من أراد الحج فليتعجل) عندنا: ليس ما قدره من وضعه في هذا الباب، وحمله في إسراع السير. وإنما هو من أراد أن يكون له الحج فليحتط بالتعجيل. فان العوارض قد تعرض والعوائق قد تعوق. وهو كقوله (حجوا قبل أن لا تحجوا) والله أعلم. فإذا بلغ الميقات احرم، وإن احرم قبله فهو أفضل. وقال الله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله}.